الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحببت خطيبي في البداية ثم شعرت بعد ذلك بضيق وعدم ارتياح!!

السؤال

أنا مخطوبة، وكنت أحب خطيبي جدًا، وعندما تقدم لي وافقت عليه بكامل إرادتي، هو محترم جدًا، ومتدين، وطموح، وأهله يحبونني كثيرًا، وهم طيبون جدًا، وكذلك أنا أحبهم.

لكن لا أدري ماذا حدث لي! شعرت فجأة، وبدون أي مقدمات أو أسباب واضحة بعدم الارتياح، والضيق والكرب، والعجيب أنه لا يوجد سبب محدد! والأغرب من ذلك أنني بدأت أفكر وكأنني أحاول أن أجد سببًا لفسخ الخطبة، وفي الوقت نفسه لا أريد فسخها.

أنا أعلم أن فيه صفات كثيرة حميدة، وله سمعة جيدة في عمله ومحيط سكنه، مع العلم أن هناك مشاكل كثيرة في حياتي تسبب لي ضغطًا كبيرًا.

هل هذا بسبب تلك المشاكل؟ أم أنه وساوس من الشيطان؟
وهل هذا الشعور علامة من الله لي لفسخ هذه الخطبة، أم ماذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يُقدّر لك الخير، وأن يُصلح الأحوال.

إذا كان الخاطب بالمواصفات المذكورة، وحصل التوافق بين العائلتين، ووجدت القبول والحب والاحترام عند أهله، فلا تُضيّعي هذه الفرصة، واعلمي أن العِبرة في مثل هذه الأمور بالانطباع الأول الذي يحصل فيه الميل المشترك، والقبول المشترك، والارتياح والانشراح، وقد تجاوزت هذه المرحلة بتوفيق الله -تبارك وتعالى- وعليها بعد توفيق الله يكون البناء، وتعطي المؤشرات لأسرة مستقرة وناجحة.

أمَّا ما يحدث بعد ذلك من اضطراب أو تذبذب، أو تغيّر؛ فالشيطان قد دخل فيه؛ لأنه لا يريد لنا الحلال، ولا الاستقرار، ولا الزواج، بل من أكبر أهدافه أن يُخرِّب البيوت، وأن يُفرّق بين الأحبة، وأن يغرس العداوة والبغضاء بين الناس، ولذلك أرجو أن تُخالفي هذه النية، وألَّا تستسلمي لمثل هذه الوساوس.

الأمر الثاني: أحيانًا يأتي الشعور بسبب الخوف من المسؤولية، وشعور الفتاة بأنها ستنتقل وتترك أهلها، وبأنها تدخل مرحلة جديدة، وحياة مجهولة التفاصيل، وهذا أيضًا من الأمور المهمة التي يجب الانتباه لها؛ لأن العاطفة تتأخر ويتقدم العقل، فالآن يبدأ الحديث عن الزواج والأسرة والبناء، ومراسيم الزواج، وماذا سنفعل؟ وهل يا ترى سأَنجح؟ وكيف سأترك أهلي؟ وماذا سيحصل؟ هذه كلها لها تأثير.

أيضًا قد يكون التأثير –كما أشرتِ– مرتبطاً بمشاكل أو ضغوطات أخرى، هذه أيضًا تؤثر على تفكير الإنسان، وتؤثّر على المشاريع التي يُريد أن يمضي فيها.

وقد يكون السبب أيضًا حاجتك إلى رُقية شرعية، فأرجو أن تبدئي بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وقراءة الرقية الشرعية على نفسك، ولا مانع من أن تذهبي بعد ذلك إلى راق شرعي يُقيم الرقية وفق قواعدها، وضوابطها الشرعية، وآدابها المرعية، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُعينك على تجاوز هذه الصعاب.

وكثيرًا ما نُنبّه إلى أن الأزواج دائمًا بعد البدايات الجميلة التي فيها تلهّف وشوق؛ يحصل فيها فتور؛ لأن العاطفة تتأخر ويتقدم العقل، تبدأ الحسابات المادية، ويبدأ تحمّل المسؤولية، ويبدأ نمط الحياة الجديد؛ فقد كانت الفتاة وحدها، والآن مسؤولة عن رجل، وهو كان وحده، والآن أصبح مسوؤلًا عن امرأة يُسأل عنها، وهذه كلها لها أثرها.

ولذلك أرجو ألَّا تقفي أمام هذه المشاعر، واجتهدي في إكمال هذا المشروع الخيّر، وتعوّذي بالله من شيطانٍ لا يريد لنا الخير، واعلمي أن كل هذه الأمور سوف تتلاشى عندما يحصل الارتباط، وتكوني في بيت الزوج، عندها تزول كل هذه المخاوف بإذن الله.

ونذكّركِ هنا بما فعله ذلك الرجل الذي دعا الصحابة إلى وليمة عرسه، وبعد أن انتهوا خلا بابن مسعود رضي الله عنه فقال: تزوجتُ امرأة وأخشى أن أبغضها فعظني، فقال له ابن مسعود: "إن الحب من الرحمن، وإن البغض من الشيطان، يريد أن يُبغِّض لكم ما أحل الله لكم، فإذا دخلتَ على أهلك فصلِّ بها ركعتين، ثم ضع يدك على مقدَّم رأسها وقل: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه -والزوجة أيضًا تقول مثل ذلك- ثم شأنك وأهلك".

هذا الكلام من ابن مسعود رضي الله عنه يؤيد ما ذكرناه من أن الشيطان لا يريد لنا الخير؛ لذلك أرجو أن تُخالفي هذه الرغبة، واستمري في إكمال هذا المشوار، ونسأل الله أن يُقدّر لك الخير، واعلمي أن أكثر ما يُعمّق السعادة والوفاق بين الزوجين هو الطاعة لله، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].

نسأل الله أن يُوفقكِ، وأن يُقدّر لك الخير، وأن يكتب لك السعادة، وأن يُلهمكِ السداد والرشاد، فأرجو أن تُكملي هذا المشوار، وهذه نصيحة، وأنت في مقام بناتنا وأخواتنا، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً