الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب كثرة الشك طلقني زوجي ولم يصرح بإرجاعي، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي سؤال يؤرق نومي، ويشغل بالي، كثرت مشاكلي مع زوجي، فهو كثير الشك، ويصل الأمر أحيانًا إلى تأليف قصص مخجلة عني لإثبات أنني مخطئة؛ وذلك بسبب طبعه الذي يميل إلى سوء الظن المفرط، ليس فقط معي، بل مع الآخرين أيضًا.

لدينا ثلاثة أولاد، وهو كثير الشتم والسب لي ولأهلي، وهذا طبعه بشكل عام، فهو لا يحترم أحدًا.

كلامي هذا لا يعني أنني بلا أخطاء، فقد يكون أسلوبي أحيانًا غير مناسب، لكنني أغضب كثيرًا، وأترك البيت وأذهب إلى أهلي، وأطلب الطلاق عند كل مشكلة، والله ليس لأنني لا أتحمل المسؤولية، بل لأنني لا أجد من يشاركني التحمل، فهو لا يتفاهم معي أبدًا.

نحن على هذا الحال منذ ١١ سنة، وهو دائمًا يراني غير أصيلة، ولا يرى أي شيء مما أفعله له، أو لأولادنا.

آخر مرة، طلقني أمام والدتي عبر الهاتف، فتركت البيت، ومنذ ذلك الحين، وأنا عند أهلي منذ أربعة أشهر، أشعر أنه قد ردني، لكنه لا يريد أن يقول ذلك صراحة، وكل كلامه معي يدور حول أننا "تطلقنا وخلاص".

حاولت الحديث معه قبل انتهاء العدة، لكنه لم يكن واضحًا، كلامه بنسبة ٩٠٪ يوحي بأنه طلقني، لكن في بعض اللحظات أشعر أنه لم يفعل، فهو لا يوضح شيئًا.

يقول إنني أحكي أسرارنا للناس، وأنا والله أحاول فقط أن أجد حلًا، وأطلب تدخل أهله للمساعدة، لكنه دائمًا يصدق أي أحد غيري، ويعاملني بقسوة.

أنا الآن لا أعرف ماذا أفعل، هو يعلقني، ويجرحني بكلامه باستمرار، أنا أتمنى من الله أن يهديه ويهديني، وأن نعود لبعضنا؛ لأنني أحبه، ولأجل أولاده، قلت له ذلك، لكنه يرد عليّ: "انتظري قليلاً، ليس الآن"، ويطلب مني أن أصلي استخارة بعد الفجر؛ لأنه ينوي الزواج من أخرى.

أنا حقًا أتمنى أن يصلح الله الحال، وقد صليت الاستخارة، لكنني رأيت في المنام أنه تزوج، ورأيت الشيطان واقفًا بجانبه في صورة والده المتوفى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان:
دعينا أيتها الكريمة نجيب من خلال ما يلي:

أولًا: فهم حال الزوج، وطبيعة الشك: زوجك –على حد وصفك– يعاني من الشك المرضي، وسوء الظن، هذه صفة -إن صحت- فهي ليست مجرد طبعٍ سيئ فحسب، بل قد تكون نتيجة خلفيات نفسية، أو تجارب سابقة، أو ضعفًا في الإيمان والتربية.

فالشكّ المفرط يجعل صاحبه يعيش في وهمٍ دائم، فيؤوّل كل موقف على أسوأ وجه، ويؤذي أقرب الناس إليه وهو يظن أنه يحمي نفسه، خاصة إذا وجدت دواعي ذلك كإخفاء معلومات عنه مثلاً، أو عدم وضوحك في بعض الأمور، أو غير ذلك.

وعليه: فيجب أن تعلمي أن من يعاني هذا النوع من الشك لا يمكن التعامل معه بالجدال ولا بالعتاب المباشر؛ لأن عقله لا يسمع وقت الانفعال، بل يرى كل تبرير دفاعًا عن "تهمة" في ذهنه، ولذلك فالأسلوب الأهدأ أن تسلكي طريق التهدئة لا المواجهة، والوضوح لا المراوغة.

ثانيًا: مسؤوليتك الشرعية والإنسانية:
الزواج ميثاق غليظ، والله أمرنا أن نحاول إصلاح ذات البين ما استطعنا، قال تعالى: «وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا، أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يُصلحا بينهما صلحًا، والصلح خير».

أنت مأجورة على صبرك وسعيك للإصلاح؛ ولذا وقبل اتخاذ أي قرار، افعلي ما يلي:

- اطلبي جلسة إصلاحٍ رسمية في وجود شخصين من أهلك وأهله (يُستحسن من كبار العقلاء لا من المتعصبين).

هدف الجلسة: أن يتكلم الطرفان بوضوح أمام من يُلزمهما بالحق.
- اطلبي منه تحديد الموقف الشرعي بوضوح.
هل طلّقك أم لا؟ لأنك لا يجوز أن تبقي -معلّقة- لا متزوجة ولا مطلّقة، إن رفض أن يصرّح، فقولي له بلطف: (أنا لا أطلب منك فراقًا ولا خصامًا، لكن أحتاج أن أعرف موقفي أمام الله: هل أنا زوجتك أم لا؟)؛ فإن أصرّ على الغموض، فاستفتي جهة شرعية في منطقتك لتفصل بينكما، عن طريق الأشخاص العقلاء الذين تدخلوا في المشكلة.

ثالثًا: رؤياكِ التي ذكرتها لا يبنى عليها أحكام شرعية، وهي رسالة نفسية أو وسوسة من الشيطان ليزيد همّك فلا تنشغلي بها، ولا تبني عليها قرارًا ولا خوفًا، بل اجعليها دافعًا للدعاء بأن يهديه الله ويردّه إليك.

رابعًا: اعلمي أن قضاء الله متى ما وقع هو خير لنا مما أردنا لأنفسنا، فسلمي الأمر لله تعالى، وأحسني اختيار من يتوسط بينك وبين زوجك، وأكثري من الدعاء أن يصلحه الله، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وعلى قدر تسليمك لله يأتي الفرج إن شاء الله.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً