أحببت زميلي ولكننا لا زلنا في مرحلة الدارسة، فهل نعجل بالخطبة؟
2025-10-26 01:32:02 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرًا جزيلًا على مجهوداتكم في إرشادنا.
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، تعرفت إلى شاب منذ 3 سنوات في الجامعة، كنا ندرس معًا ونتناقش في الأمور الدراسية، ومؤخرًا اعترف لي بحبه بنية الزواج.
منذ ذلك الوقت نشأت بيننا علاقة شبه محرَّمة، لكننا كنا نحاول قدر المستطاع تجنّب التلامس وفعل الذنوب، والتقليل من التواصل، وكنا نستغفر الله دائمًا، ونسأله أن يغفر لنا ذنوبنا ويجمع بيننا في الخير.
المشكلة أننا لا نزال ندرس، ولنا على الأقل عامان آخران في مرحلة الماجستير، ونلتقي في الجامعة، ولا نستطيع الزواج حاليًا لأسباب مادية، مع العلم أنه يسعى للكسب من خلال اليوتيوب، لكن دخله لا يزال قليلًا ومحدودًا.
لا أعلم كيف أتصرف، خاصةً أننا حاولنا الابتعاد أكثر من مرة، وصراحة أشعر بضيق وانكسار في قلبي عند التفكير في فقدانه، كذلك لا أعرف كيف أتعامل مع من يتقدّم لخطبتي؛ لأن قلبي متعلِّق به، ولا أجد صفاته في شخص آخر، فهل أنتظره؟
وهل التعجيل بالخطبة -مع إطالة مدتها- إلى أن ييسر الله تعالى لنا، وتتوفّر لنا الظروف المادية الملائمة للزواج، مع الالتزام بضوابطها وحدودها، يُعدّ حلًّا لتيسير وضعنا نوعًا ما؟ وكيف نقنع أهلينا بذلك؟ علمًا بأنهم يريدون منا ضمان مستقبلنا أولًا ثم التفكير في الزواج، معتقدين أننا لا نزال صغارًا!
أرجو منكم إرشادي: كيف أتصرف؟
أعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ يارا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول، وبالله تعالى أستعين:
أولًا: تأصيل شرعي للحالة:
ما بينكما الآن –أيتها الكريمة– علاقة لا تَخلو من محرمات، حتى وإن كانت النية الزواج؛ لأن الشرع الحنيف حرّم كل علاقة عاطفية بين رجل وامرأة أجنبيين قبل عقد الزواج، لما يترتب عليها من تعلق القلوب، والوقوع في الفتنة.
والله -سبحانه وتعالى- قال في محكم التنزيل: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}، أي الزنا وكل ما يؤدي إليه من خلوةٍ، أو حديثٍ خاص، أو تعلُّقٍ عاطفي، وقد صحَّ عن النبي ﷺ أنه قال: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا» (رواه أحمد)، وقال ﷺ: «لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ» (رواه الطبراني والبيهقي).
لا يجوز بناء علاقة مع رجل أجنبي تحت أي مبرر ما دام لم يقع عقد زواج شرعي، وإن حسنت النية، لأن النية الحسنة لا تُبرر الوسيلة المحرّمة.
اعلمي أن الزواج أمر مقدر في علم الله، فقد قدّر الله متى تتزوجين وبمن تتزوجين، وهذا الشاب قد لا يكون من رزقك، فمن الخطأ أن تعلقي قلبك به، فقد تعترضكما الكثير من العقبات والمعوقات، كرفض أهلك أو أهله، أو حدوث شيء مستجد في حياته، وغير ذلك، فأنصحك أن تتركي الأمر لله، ولا تنتظري أمرًا غيبيًا لا تعلمين عواقبه، فإن أراد حقًا الزواج بك، فليأت البيوت من أبوابها.
إن تقدم لك شخص غيره قبله، وتوفرت فيه المواصفات التي ذكرها النبي ﷺ وهي الدين والخلق والصفات الأخرى التي ترغبين بها، وبعد مشاورة أهلك، والسؤال عن ذلك الشخص، وأداء صلاة الاستخارة، فلا تترددي في قبوله، لأن النبي ﷺ يقول: «إِذَا جَاءَكُمْ (خَطَبَ إِلَيْكُمْ) مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ» (رواه الترمذي).
ننصحكما بإنهاء العلاقة القائمة بينكما إنهاءً كاملًا، مع التوبة والاستغفار والندم على ما بدر منكما، والعزم على عدم العودة لتلك العلاقة، فهي علاقة محرمة، عواقبها وخيمة، من أبرزها أن يكون الشيطان ثالثكما، يزرع في قلوبكما الوهم والضيق والقلق، وكذلك تعلق القلوب ببعضها، وقد لا يتحقق ما تتمنونه، فتصابا بالاكتئاب والإحباط بسبب هذه المعصية، وبعض هذه الآفات أنت تشتكين منها حاليًا.
وممَّا ننصحكما به كذلك الاتجاه والتركيز على دراستكما، فأنتما لا زلتما في سن الزهور، ولم يتقدم بكما العمر والزواج سيأتي في وقته.
قطع العلاقة القائمة لا يعني الكره والبغض لهذا الشخص، بل هو طاعة لله وتزكية للنفس، وهو كذلك اختبار حقيقي لاستقامة هذا الشخص وصدق مشاعره، فإن كان جادًا في الزواج، فسيتقدم رسميًا ويأتي البيت من بابه، وإن لم يفعل، فالأفضل أن تنسيه، فالرجل الذي يتركك خوفًا من الله سيكرمك بعد الزواج.
لا ننصح بطول مدة الخطبة، لأن ذلك قد يفوّت عليك الكثير من مصالحك، فالخاطب في فترة الخطبة يمكن أن يتراجع في أي لحظة، ويتركك تواجهين مستقبلًا مجهولًا، ومن ثم تندمين كونك رفضت فلانًا وفلانًا.
من كان من رزقك ونصيبك لا يستطيع أحد أن يمنعك من الزواج به، ولو اجتمع أهل الأرض كلهم جميعًا، ومن ليس من نصيبك لن تتمكني من الزواج به، ولو أنفقتِ ملءَ الأرض ذهبًا.
ثالثًا: مسألة الانتظار والخطبة الطويلة:
طول مدة الخطبة يتسبب في مشاكل كثيرة، خصوصًا إن لم توضع لهذه الفترة ضوابط حاسمة، مثل منع الخلوة والخروج مع الخاطب، وبناء العلاقة العاطفية، وأن يكون التواصل في حدود الحاجة المتعلقة بالزواج.
رابعًا: بشأن من يتقدّم لخطبتك الآن:
لا تردي كل من يتقدم لخطبتك بسبب تعلق قلبك بذاك الشاب، بل انظري بعين العقل والدين، لا بعاطفة القلب فقط، فالنبي ﷺ يقول كما مرَّ في الحديث: «إِذَا أَتَاكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ»؛ فإن جاءكِ رجلٌ صالح كفء، جادّ وصادق فيما يريد ويطلبك للزواج، فلا تضيّعي الفرصة، ولا ترجئي القرار من أجل وعود مستقبلية غير مضمونة، وهذا فيما لو تقدم لك شاب في آخر سنة من دراستك.
واعلمي أنكِ قد تحبين شيئًا وهو شر لكِ، وقد تكرهين شيئًا وهو خير لك، فإنك لا تعلمين ما يُقدره الله لك من الخير، فلعلَّ الخير في غير ما تحبين، ولعلَّ الخير فيما تكرهين، والأمر كما قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
خامسًا: إقناع الأهل ومراعاة المستقبل:
لن تجدي أحدًا ناصحًا لك ويريد سعادتك مثل أهلك، ولذلك فكلامهم عن ضمان المستقبل لا يخلو من الحكمة، لكن يمكنك -إن رأوا في الشاب خُلقًا ودينًا- أن تطلبي الخطبة الرسمية فقط دون استعجال الزواج، حتى يتهيأ هو ماديًا، وهذا فيما إذا وصلتِ إلى السنة الأخيرة من الدراسة، فيمكن أن يتقدم في بداية العام الدراسي، ويكون العقد بعد منتصف العام، والزفاف بعد إكمال الدراسة.
على هذا الشاب –إن كان جادًا– أن يُظهر جديته، وذلك بتوفير متطلبات الزواج، فالزواج ليس مجرد مشاعر ووعود وعاطفة، بل هو التزامات مادية كذلك، ولا يُقدم عليه من لا يملك خطة واقعية لذلك.
أخيرًا: ننصحك بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مع الإكثار من نوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن واستماعه، والإكثار من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وخاصة أثناء السجود، وسَلي ربك أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة ويعينك على طاعة الله تعالى، وتذكّري قول النبي ﷺ: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ إِلَّا بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ» (رواه أحمد).
نسأل الله أن يوفقك، ويرزقك الزوج الصالح الذي تقرّ به عينك، ويكتب لك الخير حيث كان.