أفكر في العلاج النفسي وأخشى أن يؤثر على التوكل!
2025-11-04 23:24:52 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أعاني منذ فترة، وأشعر أن الوضع يزداد سوءًا، حين أتحدث مع صديقاتي عن موضوع ديني، ويقلن إنهن يرغبن في الالتزام بشيء يُرضي الله؛ أشعر بالحسد في نفسي، مع أنني لا أريد ذلك، لكنني أشعر أنني أريد هذا الخير كذلك، فهل هذه وساوس أم من أمراض القلوب؟
وقد قرأت أن إخلاص الدعاء والطلب يجب أن يكون لله وحده، فإذا كنت أسأل الله أن يشفيني ويرشدني إن كان خيرًا لي أن أستشير طبيبًا نفسيًا -لأنني أنوي ذلك-، فهل يُعد هذا استعانة بغير الله؟ هل يجب أن أستعين بالله فقط وأُخرج فكرة العلاج النفسي من رأسي؛ لأنني أعلم أن الله هو القادر والشافي بلا أسباب، أم أن اليقين بالله يكون أيضًا بالأخذ بالأسباب، كأن أعزم على استشارة طبيب نفسي، مع الدعاء لله عز وجل أن يشفيني؟
حين أحاول الدعاء، أشدّ جسدي كثيرًا، حتى إنني أحيانًا أخشى على نفسي أن يحدث ضرر لرأسي من شدة ما أقسو على نفسي؛ فقط لأستحضر الخشوع، ولهذا أنوي استشارة طبيب نفسي، فبماذا تنصحونني؟
وهناك أمر أود السؤال عنه:
هل تنصحونني أن أدعو الله مثلًا:"ربي، إن كان خيرًا لي أن أفعل كذا، فأسألك أن تجعل فلانًا يتصل بي، وإن كان شرًا لي، فاجعل فلانًا آخر يتصل بي"، أم ألتزم بالدعاء بالهداية والإرشاد، ثم أُقدم على الأمر؟
جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مجد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لكِ تواصلكِ بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنّا وعنكِ كل مكروه.
وبدايةً نقول -ابنتنا الكريمة-: إن الله تعالى قدّر المقادير وربطها بأسبابها، وجعل لكل شيء سببًا، ولكل نتيجة مقدمة، وأنبياء الله تعالى هم خير قدوة لنا في الأخذ بالأسباب، ولكن الأخذ بالأسباب لا يعني الاعتماد عليها واعتقاد أنها هي التي تفعل؛ فالله -سبحانه وتعالى- وحده هو الذي يفعل ويخلق، فهو الذي يشفي المريض، وهو الذي يُشبع الجائع، ويرزق الإنسان، ولكنه -سبحانه وتعالى- اختبرنا وامتحننا، وأمرنا بالأخذ بالأسباب، والدواء من جملة هذه الأسباب، فقد قال الرسول ﷺ «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ دَوَاء، فَتَدَاوَوْا عِبَادَ الله».
وأنتِ تقرئين في القرآن الكريم أن الله -سبحانه وتعالى- أمر مريم بأن تهز جذع النخلة وهي في حالة الطلق والولادة، ومعلوم أن هزّتها هذه لن تُؤثِّر في النخلة، وأخبر الله في الآية نفسها أن الرُّطَب سينزل جنيًّا (أي مجنيًّا) فليس بسبب الهزّة، وليس متساقطًا، وإنما قُرِّب إليها كأن شخصًا جناه وقربه إليها، فلماذا كل هذه التكاليف والأوامر؟ الحكمة من ذلك -كما يقول العلماء- هي تعليم العباد أنه لا بد للإنسان من الأخذ بالسبب، وقد قال الشاعر في هذا الموضوع:
ألَمْ تَرَ أَنْ اللهَ قَالَ لِمَرْيم *** وَهُزّي إِلَيْكِ الْجِذْع تَسَّاقطِ الرُّطَب
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزَّةٍ *** جَنَتْهُ، وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَب
ونؤكد ثانية -ابنتنا الكريمة- أن عقيدة المسلم هي أن الله -سبحانه وتعالى- وحده هو الذي يفعل ويخلق، وإنما جعل هذا السبب من جملة القدر الذي قدّره الله تعالى، فالمسلم يأخذ بالسبب ويباشره ويعمل به، وهو موقن أنه لا ضار ولا نافع إلَّا الله، ولا شافي إلَّا الله.
وبهذا يحصل لكِ الجواب عن كثير من هذه الإشكالات التي طرحتِها في هذا السؤال.
فنصيحتنا لكِ أن تأخذي بالأسباب، وتحاولي التداوي لما ينزل بكِ من الأمراض والأسقام والحالات النفسية، وما قد يعتري الإنسان من الوسواس وغير ذلك، هو من جملة الأمراض التي تحتاج إلى دواء:
• دواء شرعي: بالإكثار من ذكر الله تعالى، والتحصّن به، وممارسة الرقية الشرعية؛ فإنها دواء بإذن الله تعالى.
• ودواء حسي: باستشارة الطبيب الحاذق، وتناول الدواء.
وهذا كله لا يُخرج الإنسان عن كونه معتمدًا على الله تعالى، مفوّضًا الأمور إليه.
أمَّا ما ذكرتِه بشأن الدعاء، وشدّك لجسدك أثناء هذا الدعاء، فالدعاء عبادة جليلة، محبوبة إلى الله تعالى، و«لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ» (رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي)، وإذا فتح الله تعالى للإنسان باب الدعاء؛ فقد فتح له باب خير كبير، فاستمرّي على ما أنتِ عليه من دعاء الله تعالى، وأكثري من ذلك.
ولكن لا تفعلي شيئًا لم يشرعه الله تعالى، فشدّ الجسد أثناء الدعاء ليس شيئًا مشروعًا، إنما المشروع هو أن تتوجّهي إلى القبلة، وأن تكوني على طهارة، وأن ترفعي يديكِ إلى الله تعالى، وتتوسّلي إليه، وتتذلّلي بين يديه، فإذا فعلتِ ذلك فأنتِ على خير كبير.
وأمَّا ما ذكرتِه في آخر استشارتكِ من كونكِ تسألين الله تعالى: إن كان قدّر الأمر أن يتصل بكِ فلان، وإن لم يقدّره فيتصل بكِ غيره، فهذا من الزيادة والغلو والتنطّع الذي لا ينبغي أن تفعليه.
اسألي الله تعالى وتأدّبي معه بالآداب الشرعية التي حثّ عليها النبي الكريم ﷺ، فادعي الله تعالى بدعاء الاستخارة، وفوّضي الأمور إليه، ثم امضي في الأمر الذي ينشرح له صدركِ.
وأخيرًا: نقول بالنسبة لشعوركِ بالحسد حينما تسمعين من يتمنّى الخير، نقول: ينبغي أن تكوني محبّة للخير؛ لأنه مما يُحبّه الله، فلو كنتِ صادقة في حُبّكِ لله، فينبغي أن تُحبّي كل شيء يُحبّه الله، ولا نظن إلا أن هذا الشعور الذي ينتابكِ إنما هو من آثار الوساوس، فلا تُبالي بها، ولا تسمحي لها بالسيطرة عليكِ؛ فإنها شرٌّ عريض، دافعيها عن نفسكِ بالإعراض عنها، والاشتغال بغيرها.
وتذكّري أن محبتكِ للخير هو أيضًا بابٌ من أبواب العبادة، تُؤجرين عليه؛ فتذكّركِ لهذا المعنى يُزيل عن صدركِ هذا الذي تجدينه.
نسأل الله تعالى أن يوفّقكِ لكل خير.