الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يبين السائل هل الحديد المبيع معين، أم موصوف في الذمة غير معين: فإن كان معينًا، فبيع المبيع المعين قبل قبضه محل خلاف، فالمالكية يجيزون بيع غير الطعام -كالحديد- قبل القبض.
وأما الجمهور: فيمنعون بيع الحديد قبل قبضه. لكن هل النهي عن بيع المبيع المعين قبل قبضه: يشمل البيع على البائع؟ هذا محل خلاف.
جاء في مغني المحتاج للخطيب الشربيني: ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه... منقولًا كان أو عقارًا ... لِخَبَرِ: «من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه».
قال ابن عباس: «ولا أحسب كل شيء إلا مثله». رواه الشيخان.
ولقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: لا تبيعن شيئًا حتى تقبضه. رواه البيهقي وقال: إسناده حسن متصل. 
ولضعف الملك قبل القبض، بدليل انفساخ العقد بالتلف قبله.
والأصح أن بيعه للبائع كغيره، فلا يصح، لعموم الأخبار، ولضعف الملك. والثاني: يصح كبيع المغصوب من الغاصب، ومحل الخلاف إذا باعه بغير جنس الثمن، أو بزيادة، أو نقص، أو تفاوت صفة، وإلا فهو إقالة بلفظ البيع، كما نقلاه عن المتولي وأقراه فيصح، وقيل: لا يصح. اهـ.
وقد رجّح ابن تيمية جواز بيع المبيع المعين على البائع قبل القبض.
قال ابن تيمية في جامع المسائل: ولقائلٍ أن يقول: إنما نهي عن ذلك لأن المبيع قبل القبض غرر، قد يُسلِمه البائع وقد لا يُسلِمه، لا سيما إذا رأى المشتري قد ربح فيه، فيختار أن يكون الربح له.
وهذا واقع كثير، يبيع الرجل البيع، فإذا رأى السعر قد ارتفع سعى في ردّ المبيع، إما بجحده، وإما باحتيال في الفسخ، بأن يطلب فيه عيبًا، أو يدّعي عيبًا أو غرورًا...
وعلى هذا؛ فيجوز بيعُه من بائعه؛ لأنه لا محذور فيه. اهـ.
وانظر فيما يتحقق به القبض الفتوى: 182251.
وأما إن كان الحديد موصوفاً في الذمة غير معين، فهو دين عليك، وبيع الدين على من هو عليه محل خلاف بين العلماء.
وقد جوزه بعض العلماء، لكن بسعر السوق دون زيادة، قال ابن تيمية في جامع المسائل: ولما جوز النبي صلى الله عليه وسلم اقتضاء الذهب من الورق، والورق من الذهب بالسعر، مع أن الثمن دين في الذمة لم يقبض، دل على جواز بيع الدين ممن هو عليه بالسعر، فجوز ذلك في جميع الديون دين السلم وغيره، كما جوزه ابن عباس وأحمد في إحدى الروايتين، ومالك على تفصيل له. اهـ.
على أن أصل بيع الموصوف في الذمة حالًا محل خلاف بين العلماء. فأجازه الشافعي، ومنعه الجمهور.
والله أعلم.