المسألة التاسعة والعشرون : في  العمل قبل البحث عن المخصص   
نقل   الغزالي  ،   والآمدي  ،  وابن الحاجب  الإجماع على منع العمل بالعام قبل البحث عن المخصص  
واختلفوا في  قدر البحث   ، والأكثرون قالوا إلى أن يغلب الظن بعدمه ، وقال القاضي   أبو بكر الباقلاني  إلى القطع به ، وهو ضعيف ; إذ القطع لا سبيل إليه ، واشتراطه يفضي إلى عدم العمل بكل عموم .  
واعلم أن في حكاية الإجماع نظرا ، فقد قال في  المحصول     : قال  ابن سريج     : لا يجوز التمسك بالعام ما لم يستقص في طلب المخصص ، فإذا لم يوجد بعد ذلك المخصص فحينئذ يجوز التمسك به في إثبات الحكم .  
وقال  الصيرفي     : يجوز التمسك به ابتداء ، ما لم يظهر دلالة مخصصة .  
واحتج  الصيرفي  بأمرين :  
 [ ص: 402 ] أحدهما : لو لم يجز التمسك بالعام إلا بعد طلب المخصص ، لم يجز التمسك بالحقيقة إلا بعد البحث هل يوجد ما يقتضي صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز ، وهذا باطل فذاك مثله .  
بيان الملازمة أنه لو لم يجز التمسك بالعام إلا بعد طلب المخصص ، لكان ذلك لأجل الاحتراز عن الخطأ المحتمل ، وهذا المعنى قائم في التمسك بحقيقة اللفظ ، فيجب اشتراكهما في الحكم ، وبيان أن التمسك بالحقيقة لا يتوقف على طلب ما يوجب العدول إلى المجاز ، هو أن ذلك غير واجب في العرف ، بدليل أنهم يحملون الألفاظ على ظاهرها من غير بحث عن أنه هل وجد ما يوجب العدول أم لا ؟ وإذا وجب ذلك في العرف ، وجب أيضا في الشرع ; لقوله صلى الله عليه وآله وسلم  ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن     .  
والأمر الثاني : أن الأصل عدم التخصيص ، وهذا يوجب ظن عدم التخصيص ، فيكفي في إثبات ظن الحكم .  
واحتج  ابن سريج     : أن بتقدير قيام المخصص لا يكون العموم حجة في صورة التخصيص ، فقبل البحث عن وجود المخصص يجوز أن يكون العموم حجة ، وأن لا يكون ، والأصل أن لا يكون حجة إبقاء للشيء على حكم الأصل .  
والجواب : أن ظن كونه حجة أقوى من ظن كونه غير حجة ; لأن إجراءه على العموم أولى من حمله على التخصيص .  
ولما ظهر هذا القدر من التفاوت كفى ذلك في ثبوت الظن . انتهى كلام المحصول .  
وما ذكره من أن ما وجب في العرف وجب في الشرع ممنوع .  
 [ ص: 403 ] وما استدل به زاعما أنه من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باطل ليس من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يثبت من وجه معتبر ، ولا شك أن الأصل عدم التخصيص فيجوز التمسك بالدليل العام لمن كان من أهل الاجتهاد الممارسين لأدلة الكتاب والسنة العارفين بها ، فإن عدم وجود المخصص لمن كان كذلك يسوغ له التمسك بالعام ، بل هو فرضه الذي تعبده الله به ، ولا ينافي ذلك تقدير وجود المخصص ، فإن مجرد هذا التقدير لا يسقط قيام الحجة بالعام ، ولا يعارض أصالة عدم الوجود وظهوره .  
				
						
						
