المسألة الرابعة .  
اختلف في جواز  استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه      :  
فذهب   الشافعي  ،  والقاضي أبو بكر  ،   وأبو علي الجبائي  ، والقاضي  عبد الجبار بن أحمد  ،  والقاضي جعفر  ، والشيخ  الحسن  وبه قال الجمهور وكثير من أئمة أهل البيت إلى جوازه .  
وذهب  أبو هاشم  ،  وأبو الحسين البصري  ،  والكرخي  إلى امتناعه .  
ثم اختلفوا : فمنهم من منع منه لأمر يرجع إلى القصد ، ومنهم من منع منه لأمر      [ ص: 92 ] يرجع إلى الوضع .  
والكلام ينبني على بحث هو : هل يلزم من كون اللفظ لمعنيين ، أو معان على البدل ، أن يكون موضوعا لهما أو لها على الجمع ، أم لا ؟  
فقال المانعون : إن المعلوم بالضرورة المغايرة بين المجموع ، وبين كل واحد من الأفراد ; لأن الوضع تخصيص لفظ بمعنى ، فكل وضع يوجب أن لا يراد باللفظ إلا هذا الموضوع له ، ويوجب أن يكون هذا المعنى تمام المراد باللفظ ، فاعتبار كل من الوضعين ينافي اعتبار الآخر ، فاستعماله للمجموع استعمال له في غير ما وضع له ، وإنه غير جائز .  
وإن قلنا : إن ذلك اللفظ وضع للمجموع ، فلا يخلو إما أن يستعمل لإفادة المجموع وحده مع إفادة أفراده ، فإن كان الأول لم يكن اللفظ مفيدا إلا لأحد مفهوماته ; لأن الواضع وضعه بإزاء أمور ثلاثة على البدل ، وأحدها ذلك المجموع ، فاستعمال اللفظ فيه وحده لا يكون استعمالا له في كل مفهوماته ، وإن قلنا : إنه مستعمل في إفادة المجموع والأفراد على البدل ، فهو محال كما قدمنا .  
واحتج المجوزون بأمور :  
أحدها : أن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ، ثم إن الله سبحانه أراد بقوله :  إن الله وملائكته يصلون على النبي   كلا المعنيين ، وهذا هو الجمع بين معنيي المشترك .  
وأجيب : بأن هذه الآية ليس فيها استعمال الاسم المشترك في أكثر من معنى واحد ; لأن سياق الآية لإيجاب اقتداء المؤمنين بالله وملائكته في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا بد من اتحاد معنى الصلاة في الجميع ; لأنه لو قيل : إن الله يرحم النبي ، والملائكة يستغفرون له ، يا أيها الذين آمنوا ادعوا له ، لكان هذا الكلام في غاية الركاكة ، فعلم أنه لا بد من اتحاد معنى الصلاة ، سواء كان معنى حقيقيا أو معنى مجازيا ، أما الحقيقي : فهو الدعاء ، فالمراد أنه سبحانه يدعو ذاته بإيصال الخير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم من لوازم هذا الدعاء الرحمة ، فالذي قال : إن الصلاة من الله الرحمة ، قد أراد هذا المعنى ، لا أن الصلاة وضعت للرحمة .  
وأما المجازي ، فكإرادة الخير ونحو ذلك ، مما يليق بهذا المقام ، ثم إن اختلف ذلك لأجل اختلاف الموصوف فلا بأس به ، ولا يكون هذا من باب الاشتراك بحسب الوضع .      [ ص: 93 ] واحتجوا أيضا بقوله سبحانه :  ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض   الآية ; فإنه نسب السجود إلى العقلاء وغيرهم ، كالشجر ، والدواب ، فما نسب إلى غير العقلاء يراد به الانقياد ، لا وضع الجبهة على الأرض ; وما نسب إلى العقلاء يراد به وضع الجبهة على الأرض ؛ إذ لو كان المراد الانقياد لما قال :  وكثير من الناس      ; لأن الانقياد شامل لجميع الناس .  
وأجيب : بأنه يمكن أن يراد بالسجود الانقياد في الجميع ، وما ذكروا من أن الانقياد شامل لجميع الناس باطل ; لأن الكفار لن ينقادوا .  
ويمكن أن يراد بالسجود وضع الرأس على الأرض في الجميع ، فلا يحكم باستحالته من الجمادات ، إلا من يحكم باستحالة التسبيح من الجمادات ، وباستحالة الشهادة من الجوارح والأعضاء يوم القيامة .  
إذا عرفت هذا لاح لك عدم جواز الجمع بين معنيي المشترك أو معانيه ، ولم يأت من جوزه بحجة مقبولة .  
وقد قيل : إنه يجوز الجمع مجازا لا حقيقة ، وبه قال جماعة من المتأخرين .  
وقيل : يجوز إرادة الجمع ، لكن بمجرد القصد لا من حيث اللغة ، وقد نسب هذا إلى   الغزالي  ،  والرازي     .  
وقيل : يجوز الجمع في النفي لا في الإثبات ، فيقال مثلا : ما رأيت عينا ، ومراده العين الجارحة ، وعين الذهب ، وعين الشمس ، وعين الماء ، ولا يصح أن يقال : عندي عين ، وتراد هذه المعاني بهذا اللفظ .  
وقيل : بإرادة الجميع في الجمع ، فيقال مثلا : عندي عيون ، ويراد تلك المعاني ، وكذا المثنى فحكمه حكم الجمع ، فيقال مثلا : عندي جونان ، ويراد أبيض وأسود ، ولا يصح إرادة المعنيين أو المعاني بلفظ المفرد ، وهذا الخلاف إنما هو في المعاني التي يصح الجمع بينها ، وفي المعنيين اللذين يصح الجمع بينهما ، لا في المعاني المتناقضة .  
				
						
						
