( فإن قلت ) :  ما الحكمة في النسخ ؟   
( قلت ) : قال   الفخر الرازي  في المطالب العالية : إن الشرائع قسمان : منها ما يعرف نفعها بالعقل في المعاش والمعاد .  
ومنها : سمعية لا يعرف الانتفاع بها إلا من السمع .  
( فالأول ) : يمتنع طروء النسخ عليه ، كمعرفة الله ، وطاعته أبدا ، ومجامع هذه الشرائع العقلية أمران : التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله ، قال الله تعالى :  وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا      .  
( والثاني ) : ما يمكن طريان النسخ والتبديل عليه ، وهو أمور تحصل في كيفية إقامة الطاعات الفعلية ، والعبادات الحقيقية .  
وفائدة نسخها أن الأعمال البدنية إذا تواطئوا عليها خلفا عن سلف ; صارت كالعادة عند الخلق ، وظنوا أن أعيانها مطلوبة لذاتها ، ومنعهم ذلك عن الوصول إلى المقصود ، وعن معرفة الله وتمجيده ، فإذا غير ذلك الطريق إلى نوع من الأنواع وتبين أن المقصود من هذه الأعمال رعاية أحوال القلب والأرواح في المعرفة والمحبة ; انقطعت الأوهام      [ ص: 539 ] من الاشتغال بتلك ( الصور و ) الظواهر إلى علام السرائر .  
وقيل : الحكمة أن هذا الخلق طبع على الملالة من الشيء ، فوضع في كل عصر شريعة جديدة لينشطوا في أدائها .  
وقيل : بيان شرف نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فإنه نسخ بشريعته شرائعهم ، وشريعته لا ناسخ لها .  
وقيل : الحكمة حفظ مصالح العبد ، فإذا كانت المصلحة لهم في تبديل حكم بحكم ، وشريعة بشريعة ; كان التبديل لمراعاة هذه المصلحة .  
وقيل : الحكمة بشارة المؤمنين برفع الخدمة عنهم ، ورفع مؤنتها عنهم في الدنيا مؤذن برفعها في الجنة .  
وذكر الشافعي في الرسالة أن فائدة النسخ رحمة الله بعباده ، والتخفيف عنهم . وأورد عليه أنه قد يكون بأثقل .  
ويجاب عنه : بأن الرحمة قد تكون بالأثقل أكثر من الأخف ، لما يستلزمه من تكثير الثواب ، والله لا يضيع عمل عامل ، فتكثير الثواب في الأثقل يصيره خفيفا على العامل ، يسيرا عليه ، لما يتصوره من جزالة الجزاء .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					