المسألة السادسة عشرة  
[ في أن النقصان من العبادة نسخ ]  
لا خلاف في أن  النقصان من العبادة نسخ   لما أسقط منها ; لأنه كان واجبا في جملة العبادة ثم أزيل وجوبه . ولا خلاف أيضا في أن ما لا يتوقف عليه صحة العبادة لا يكون نسخه نسخا لها ، كذا نقل الإجماع   الآمدي   والفخر الرازي     .  
وأما نسخ ما يتوقف عليه صحة العبادة ، سواء كان جزءا لها ، كالشطر أو خارجا كالشرط ، فاختلفوا فيه على مذاهب .  
( الأول ) : أن نسخه لا يكون نسخا للعبادة ، بل يكون بمثابة تخصيص العام ، قال      [ ص: 571 ] ابن برهان  وهو قول علمائنا .  
وقال  ابن السمعاني     : إليه ذهب الجمهور ، من أصحاب   الشافعي  ، واختاره   الفخر الرازي  ،   والآمدي  ، قال  الأصفهاني     : إنه الحق ، وحكاه صاحب المعتمد عن  الكرخي     .  
( الثاني ) : أنه نسخ للعبادة ، وإليه ذهب الحنفية ، كما حكاه عنهم  ابن برهان  ،  وابن السمعاني     .  
( الثالث ) : التفصيل بين الشرط ، فلا يكون نسخه نسخا للعبادة ، وبين الجزء كالقيام ، والركوع في الصلاة ، فيكون نسخه نسخا لها ، وإليه ذهب   القاضي عبد الجبار  ، ووافقه   الغزالي  ، وصححه  القرطبي     .  
قالوا : لأن الشرط خارج عن ماهية المشروط ، بخلاف الجزء ، وهذا في الشرط المتصل ، أما الشرط المنفصل ، فقيل : لا خلاف في أن نسخه ليس بنسخ للعبادة; لأنهما عبادتان منفصلتان .  
وقيل : إن كان مما لا تجزئ العبادة قبل النسخ إلا به ، فيكون نسخه نسخا لها ، من غير فرق بين الشرط والجزء ، وإن كان مما تجزئ العبادة قبل النسخ بدونه فلا يكون نسخه نسخا لها .  
وهذا هو المذهب الرابع ، حكاه الشيخ   أبو إسحاق الشيرازي  في اللمع .  
احتج القائلون بأنه لا يكون نسخا مطلقا ، من غير فرق بين الشرط والشطر ، بأنهما أمران; فلا يقتضي نسخ أحدهما نسخ الآخر .  
وأيضا لو كان نسخا للعبادة لافتقرت في وجوبها إلى دليل آخر غير الدليل الأول ، وإنه باطل بالاتفاق .  
واحتج القائلون بأن نسخ الشطر يقتضي نسخ العبادة ، دون نسخ الشرط ، بأن نقصان الركعة من الصلاة يقتضي رفع وجوب تأخير التشهد ، ورفع إجزائها من دون الركعة; لأن تلك العبادة قبل النسخ كانت غير مجزئة بدون الركعة .  
وأجيب : بأن للباقي من العبادة أحكاما مغايرة لأحكامها قبل رفع ذلك الشطر ، فكان النسخ مغايرا لنسخ تلك العبادة .  
 [ ص: 572 ] وأيضا الثابت في الباقي هو الوجوب الأصلي ، والزيادة باقية على الجواز الأصلي ، وإنما الزائل وجوبها ، فارتفع حكم شرعي لا إلى حكم شرعي ، فلا يكون ذلك نسخا .  
				
						
						
