[ ص: 774 ]  [ ص: 775 ] المقصد السابع  
من مقاصد هذا الكتاب  
في التعادل والترجيح  
وفيه ثلاثة مباحث  
المبحث الأول : في معناهما وفي العمل بالترجيح وفي شروطه .  
المبحث الثاني : في التعارض بين دليلين قطعيين .  
المبحث الثالث : في وجوه الترجيح بين المتعارضين لا في نفس الأمر بل في الظاهر .  
 [ ص: 776 ]  [ ص: 777 ]    ( المبحث الأول )  
في معناهما ، وفي العمل بالترجيح ، وفي شروطه  
أما التعادل : فهو التساوي ، وفي الشرع استواء الأمارتين .  
وأما الترجيح : فهو إثبات الفضل في أحد جانبي المتقابلين ، أو جعل الشيء راجحا ويقال مجازا لاعتقاد الرجحان .  
وفي الاصطلاح : اقتران الأمارة بما تقوى بها على معارضتها .  
قال في المحصول : الترجيح تقوية أحد الطرفين على الآخر فيعلم الأقوى فيعمل به ، ويطرح الآخر ، وإنما قلنا طرفين ؛ لأنه لا يصح الترجيح بين الأمرين إلا بعد تكامل كونهما ( طريقين لو ) انفرد كل واحد منهما فإنه لا يصح ترجيح الطرف على ما ليس بطرف . انتهى .  
والقصد منه تصحيح الصحيح ، وإبطال الباطل .  
قال  الزركشي  في البحر : اعلم أن الله لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة ، بل جعلها ظنية ؛ قصدا للتوسع على المكلفين ، لئلا ينحصروا في مذهب واحد ، لقيام الدليل القاطع عليه ، وإذا ثبت أن المعتبر في الأحكام الشرعية الأدلة الظنية ، فقد تتعارض في الظاهر بحسب جلائها وخفائها ، فوجب الترجيح بينهما ، والعمل بالأقوى ، والدليل على تعيين الأقوى أنه إذا تعارض دليلان أو أمارتان ، فإما أن يعملا جميعا ، أو ( يلغيا جميعا أو ) يعمل بالمرجوح ، أو الراجح وهذا متعين .  
قال : أما حقيقته ، يعني التعارض فهو تفاعل ، من العرض ، بضم العين ، وهو الناحية والجهة ، كأن الكلام المتعارض يقف بعضه في عرض بعض ، أي ناحيته وجهته ،      [ ص: 778 ] فيمنعه من النفوذ إلى حيث وجه .  
وفي الاصطلاح : تقابل الدليلين على سبيل الممانعة .  
وللترجيح شروط      :  
( الأول ) : التساوي في الثبوت ، فلا تعارض بين الكتاب وخبر الواحد ، إلا من حيث الدلالة .  
( الثاني ) : التساوي في القوة ، فلا تعارض بين المتواتر والآحاد ، بل يقدم المتواتر بالاتفاق ، كما نقله   إمام الحرمين     .  
( الثالث ) : اتفاقهما في الحكم ، مع اتحاد الوقت والمحل والجهة ، فلا تعارض بين النهي عن البيع مثلا في وقت النداء ، مع الإذن به في غيره .  
وحكى   إمام الحرمين  في تعارض الظاهرين في الكتاب والسنة مذاهب :  
( أحدها ) : يقدم الكتاب لخبر معاذ .  
( وثانيهما ) : تقدم السنة ؛ لأنها المفسرة للكتاب ، والمبينة له .  
( وثالثها ) : التعارض ، وصححه ، واحتج عليه بالاتفاق ، وزيف الثاني بأنه ليس الخلاف في السنة المفسرة للكتاب ، بل المعارضة له .  
وأقسام التعادل والترجيح بحسب القسمة العقلية   عشرة ؛ لأن  الأدلة أربعة      : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس .  
فيقع التعارض بين الكتاب والكتاب ، وبين الكتاب والسنة ، وبين الكتاب والإجماع ، وبين الكتاب والقياس ؛ فهذه أربعة .  
ويقع بين السنة والسنة ، وبين السنة والإجماع ، وبين السنة والقياس ، فهذه ثلاثة .  
ويقع بين الإجماع والإجماع ، وبين الإجماع والقياس ، وبين القياسين ، فهذه ثلاثة ، الجميع عشرة .  
قال  الرازي  في المحصول : الأكثرون اتفقوا على جواز التمسك بالترجيح ، وأنكره      [ ص: 779 ] بعضهم ، وقال : عند التعارض يلزم التخيير ، أو التوقف ، لنا وجوه :  
( الأول ) : إجماع الصحابة على العمل بالترجيح ، فإنهم قدموا خبر  عائشة  بوجوب الغسل عند التقاء الختانين ، على خبر  الماء من الماء  وقدموا خبر من روى من أزواجه أنه  كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يصبح جنبا  على ما روى   أبو هريرة  أنه من يصبح جنبا فلا صوم له .  
وقبل  علي  خبر  أبي بكر  ولم يحلفه ، وكان لا يقبل من غيره إلا بعد تحليفه ، وقبل  أبو بكر  خبر  المغيرة  في ميراث الجدة لموافقة  محمد بن مسلمة  له .  
وقبل  عمر  خبر  أبي موسى  في الاستئذان لموافقة   أبي سعيد الخدري  له .  
 [ ص: 780 ]    ( الثاني ) : أن  الظنين إذا تعارضا ، ثم ترجح أحدهما على الآخر   ، كان العمل بالراجح متعينا عرفا ، فيجب شرعا ؛ لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - :  ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن     .  
( الثالث ) : أنه  لو لم يعمل بالراجح   ؛ لزم العمل بالمرجوح على الراجح ، وترجيح المرجوح على الراجح ممتنع في بداهة العقل .  
واحتج المنكر بأمرين :  
( أحدهما ) : أن الترجيح لو اعتبر في الأمارات لاعتبر في البينات والحكومات ؛ لأنه لو اعتبر لكانت العلة في اعتباره ترجيح الأظهر على الظاهر ، وهذا المعنى قائم هنا .  
( الثاني ) : أن قوله - تعالى - :  فاعتبروا يا أولي الأبصار   وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -  نحن نحكم بالظاهر     . يقتضي إلغاء زيادة الظن .  
والجواب عن الأول والثاني : أن ما ذكرتموه دليل ظني ، وما ذكرناه قطعي ، والظني لا يعارض القطعي انتهى .  
وما ذكره من الأحاديث هاهنا صحيح ، إلا حديث :  ما رآه المسلمون حسنا  وحديث "  نحن نحكم بالظاهر     " فلا أصل لهما ، لكن معناهما صحيح ، وقد ورد في أحاديث أخر ما يفيد ذلك كما في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - :  للعباس  لما قال له إنه خرج يوم  بدر   مكرها ، فقال : كان ظاهرك علينا وكما في قوله - صلى الله عليه      [ ص: 781 ] وآله وسلم - :  إنما أقضي بما أسمع  وكما في أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - بلزوم الجماعة ، وذم من خرج عنها وأمره بلزوم السواد الأعظم .  
ويجاب عما ذكره المنكرون بجواب أحسن مما ذكره ، أما عن الأول : فيقال : نحن نقول بموجب ما ذكرتم فإذا ظهر الترجيح لإحدى البينتين على الأخرى ، أو لأحد الحكمين على الآخر ، كان العمل على الراجح .  
وأما عن الثاني فيقال : لا دلالة على محل النزاع في الآية ، بوجه من الوجوه ، وأما قوله : نحن نحكم بالظاهر ( فلم يبق ) الظاهر ظاهرا بعد وجود ما هو أرجح منه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					