دعوى اللقيط 
أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر . 
 6675  - حدثنا إسحاق بن إبراهيم  ، قال : أخبرنا  عبد الرزاق،  قال : أخبرنا  مالك  ، عن  ابن شهاب  ، قال : حدثني أبو جميلة  أنه وجد منبوذا على عهد  عمر بن الخطاب  فأتاه به ، فاتهمه عمر  فأثني عليه خيرا . فقال عمر   : هو حر ، ولك ولاؤه ، ونفقته من بيت المال . 
قال  أبو بكر :  فإذا التقط الرجل صبيا ، فادعاه الملتقط أو رجل حر غيره أنه ابنه  قبل قوله ، ولحق به نسبه ، في قول  الشافعي،   وأبي ثور ،  وأصحاب الرأي ، غير أن أصحاب الرأي قالوا : ينبغي في القياس أن لا يصدق ، ولكنا ندع القياس ونثبت نسبه . 
وقال  أبو ثور   : أجعله ابنه ، وذلك أني لا أعلم أهل العلم اختلفوا في رجل ادعى صبيا صغيرا لا يعلم نسبه أنه ابنه ، فكذلك اللقيط إذا كان لا نسب له يعرف فهو ابن من ادعاه ، ولو قال هو ابني من زوجتي هذه أو من أمتي هذه وصدقته المرأة وادعياه جميعا ، فإنه يكون ولدهما جميعا . 
وقال أصحاب الرأي : إذا تكلم بعلم في جسده أو وصف شيئا في جسده فوجد على ما قال ، فإنا نجعله ابنه ، أستحسن ذلك ، وأدع القياس  [ ص: 220 ] فيه وكذلك لو قال : هو ابني ، ولم يعلمه بعلامة ولا بشيء ، فإنه ابنه ثابت النسب منه ، وكذلك لو ادعى أنه ابنه من زوجته هذه ، وأقرت الزوجة بذلك كان ابنهما . 
وقال  ابن القاسم   : بلغني عن  مالك  أنه قال : لا يصدق إلا أن يكون لذلك وجه ، مثل رجل لا يعيش له ولد ، فيسمع قول الناس أنه إذا طرح عاش فيطرح ولده ، فيلتقط ثم يجيء يدعيه ، فإن جاء مثل هذا مما يستدل به على صدق قوله ألحق به ، وإلا لم يلحق به إلا ببينة ، قيل لابن القاسم   : فإن أقر الذي هو بيده بذلك قال : أراه شاهدا وشهادة رجل واحد في الأنساب لا تجوز عند  مالك   . 
واختلفوا في اللقيط يوجد في مصر من أمصار المسلمين فادعاه ذمي  فقال قائل : إذا ادعاه ذمي فوجد في دار الإسلام ألحقته به وجعلته مسلما في الصلاة عليه ، وآمره إذا بلغ بالإسلام بغير إجبار . هكذا قال  الشافعي   . المزني  عنه . قال : وقال في كتاب الدعوى والبينات : نجعله مسلما ، لأنا لا نعلمه كما قال . [قال ] المزني   : هذا أولى بالحق عندي ؛ لأن من ثبت له حق لم يزل حقه بالدعوى ، فقد ثبت للإسلام أنه من أهله وجرى حكمه عليه بالدار ، فلا يزول حق الإسلام بدعوى مشرك .  [ ص: 221 ] 
قال  الشافعي   : وإن أقام بينة أنه ابنه بعد أن عقل ووصف الإسلام ألحقناه به ومنعناه من أن ينصره ، فإن بلغ وامتنع من الإسلام لم يكن مرتدا أقتله ، وأحبسه وأخيفه رجاء رجوعه . 
قال المزني   : قياس من جعله مسلما ألا يرده إلى النصرانية . 
وقالت طائفة : إذا وجد في مصر من أمصار المسلمين ، فادعاه ذمي لم تقبل دعوته إلا ببينة ، وذلك أن حكمه حكم الدار ، فلا أجعله كافرا إلا ببينة تشهد على نسبه منه ، هذا قول  أبي ثور   . 
قال  أبو بكر :  ووافقه على هذا القول بعض أصحابه قال : ومن الدليل على أن نسبه لا يثبت من الذي [ادعاه ] أنه قد ثبت له حكم الإسلام ، فلو كان نسبه يثبت منه لوجب أن يكون حكمه حكم أبيه ، لأنه لا اختلاف بينهم في الطفل إذا كان من أبوين كافرين ، فأسلم أبوه أن حكمه حكم أبيه ، فلما اتفقوا على أن حكمه حكم أبيه في الإسلام ، دل ذلك على أن الذمي إذا ادعى المنبوذ الذي قد ثبت له حكم الإسلام لم يكن ابنه ، لأنه لو ثبت نسبه لوجب أن يكون في الدين مثله . 
وفي كتاب ابن [الحسن ]  قال : ولو ادعاه ذمي وكان وجد في قرية لأهل الذمة جعلته ابنه وكان ذميا ، وإن وجد في مصر من أمصار المسلمين وادعاه ذمي ، ففي القياس أنه لا تجوز دعوته ، ولكني أجعله ابنه أستحسن  [ ص: 222 ] ذلك وأدفعه إليه وأجعله مسلما . 
قال  أبو بكر :  هذا خطأ لا معنى له ، يزعم أن القياس هو حق ، وأنه ترك الحق الذي هو عنده واستحسن ، فقضى بخلاف الحق ، وحكاية هذا القول تجزئ عن الإدخال على قائله نجعله مسلما ثم نجعله ابن ذمي فإن كان ابنه فينبغي أن يكون على دينه ، وإن لم يجز أن يكون على دينه فكيف نجعله على غير دينه ، ثم نجعله ابنه ، وليس مع هذا القائل حجة إلا التحكم الذي إن شاء [أحد ] فعل مثله فعله . 
قال  أبو بكر :  النظر دال على أن قول الذمي هو ابني غير مقبول منه ، إلا أن تثبت له بينة من المسلمين أنه ابنه ، فإذا أثبتت بينة جعل ابنه وسلم إليه يكون على دينه ، ولا يجوز حبسه عند بلوغه ، ولا إكراهه على دين لا يريده إذا أدى الجزية ، وإذا لم يجز أن يلزم ولد المسلم ارتدادا قبل بلوغه ، وإن ارتد أبوه ، فكذلك هذا الذمي ، فلو تكلم قبل بلوغه بالإسلام ثم بلغ فثبت على دين أبيه لم يجز أن يلزم غيره ولا يؤخذ بما تكلم قبل بلوغه . 
قال  أبو بكر :  ولو ادعى الذي التقطه أنه عبده لم يصدق ولم يقبل قوله إلا أن تثبت له بينة وذلك أن اللقيط حر ولا يسترق من وجبت له الحرية إلا ببينة ، وإن ادعى رجل أنه ابنه من زوجته وهي أمة وصدقهم المولى وقال هو عبدي لم يجعل عبدا إلا ببينة ، ويقضى به للرجل وهو حر ، وهذا قول  أبي ثور .  
وقال أصحاب الرأي : إذا ادعى عبد أنه ابنه من زوجته هذه وهي  [ ص: 223 ] أمة ، وصدقهم المولى ، وقال : هو عبدي ، فإني أصدقهم على ذلك ، وأجعله عبدا له وأجعله ابنهما ، أدع القياس في ذلك وأستحسن . 
وقال محمد   : أجعله ابنهما وأجعله حرا ، لا أصدقهما على أن أجعله رقيقا بقولهم ، وإن كان الذي وجده رجل أو امرأة ، مسلم أو ذمي ، فهو سواء . وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن امرأة لو ادعت اللقيط وقالت : هو ابنها ، أن قولها لا يقبل . كذلك قال  الشافعي   . المزني  عنه ، وبه قال أصحاب الرأي . موسى  عنهم . وبه قال  الثوري  ،  ويحيى بن آدم ،   وأبو ثور،  وإذا وجدته امرأة فقالت : هو ابني من زوجي هذا وصدقها الزوج كان ابنهما ، في قول  أبي ثور ،  وأصحاب الرأي ، وكذلك نقول . 
قال  أبو بكر :  ولو ادعى اللقيط امرأتان  لم تقبل دعوى كل [واحدة ] منهما إلا ببينة في قولهم جميعا . 
وإذا ادعى اللقيط رجلان ، وأقام كل واحد منهما البينة ،  ففي قول  الشافعي   : يرى القافة فبأيهما ألحقوه فإنه ابنه ، وإن قالت القافة : هو ابنهما لم ينسب إلى أحدهما حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما .  [ ص: 224 ] 
وقال  أبو ثور   : يرى القافة فما حكموا فيه حكم به ، إن قالوا : هو ابنهما كان ابنهما يرثهما ويرثانه . 
وقال أصحاب الرأي : نجعله ابنهما جميعا من قبل أن الرجلين يقعان على مرأة واحدة فيثبت نسبه منهما ، ولا تلد المرأتان ولدا واحدا . 
وقال  أبو ثور   : وإذا ادعى اللقيط رجلان كل واحد منهما يزعم أنه ابنه ، ووصف أحدهما علامات في جسده ولم يصفه الآخر ، فإني أجعله ابن الذي وصفه ، وذلك أنه قد جاء بدلائل تقوم مقام الشهادة ، وذلك أن صاحب اللقطة متى وصفها فأصاب وصفها ، وادعاها آخر ولم يصفها ، كانت للذي وصفها ، وذلك أنه قد جاء بدلائل فصدق قوله ، فكذلك اللقيط هو باللقطة أشبه ، فإذا وصفه أحدهما ولم يصفه الآخر ، كان للذي وصفه ، وإن لم يصفه واحد منهما جعلته موقوفا حتى يرى القافة فما حكموا فيه صرنا إليه . 
وقال أصحاب الرأي : نجعله للذي أصاب الصفة ، فإن لم يصفاه جعلناه ابنهما جميعا . 
وقال  أبو ثور   : ولو قال أحدهما : هو ابني وهو غلام ، ومن صفة جسمه كذا وكذا ، فإني أجعله ابن الذي يصيب الصفة . 
وقال أصحاب الرأي : نجعله ولد الذي أصاب الصفة .  [ ص: 225 ] 
 6676  - حدثنا إسحاق بن إبراهيم  ، عن  عبد الرزاق ،  عن  الثوري ،  عن  سلمة بن كهيل ،  عن  سويد بن [غفلة ]  قال : قدمت على  أبي بن كعب  فقال : إني وجدت صرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مائة دينار ، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال : "عرفها حولا . . . . " وذكر الحديث قال : فقال :  "اعلم عددها ووكاءها ، فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها ، فادفعها إليه وإلا فاستمتع بها "  . 
قال  أبو بكر :  وفي هذا دليل على أن اللقطة يجب دفعها بالصفة إلى من وصفها  ، وفيه حجة لمن قال : إن من وصف اللقيط أولى به ممن لم يصفه . 
وكان  الشافعي  يقول : ولا فرق بين الحر والعبد المسلمين ، والذمي الحر والعبد إذا تداعوا لقيطا ، كما لا يكون بينهم فرق فيما تنازعوا فيه مما يملكون فتراه القافة ، فإن ألحقوه بأحد منهم فهو ابنه ليس [له ] أن ينفيه ، ولا للمولود أن ينتفي منه أبدا ، وإن ألحقه القافة باثنين فأكثر أو لم يكن قافة ، أو كانت فلم تعرف [لم ] يكن ابن واحد منهما حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء ، فإذا فعل ذلك انقطعت دعوى الآخرين ، ولم يكن للذي انتسب إليه أن ينفيه ، وهو حر في كل حالاته بأيهم لحق ؛ لأن اللقيط حر وأصل الناس الحرية حتى يعلم أنهم غير  [ ص: 226 ] أحرار ، ولو ادعى اللقيط الذي وجده أنه عبده لم يقبل قوله ، في قول  الشافعي   وأبي ثور  وأصحاب الرأي . 
وقال  أبو ثور  وأصحاب الرأي : إذا ادعى الرجل اللقيط وقال : هو غلام وهو ابني ، فإذا هو جارية لم يصدق على دعواه ولم يدفع إليه . 
قال  أبو ثور   : وإذا أقام رجل على اللقيط بينة أنه ابنه ، فإني أقضي له به ، ولو ادعاه ذمي والشهود مسلمون قضيت له به وكان ذميا ، وإن كان الشهود أهل ذمة لم أقبل شهادتهم ولم أقض به شيء . 
قال  أبو بكر :  وهذا يشبه مذاهب  الشافعي،  وبه أقول . 
وقال أصحاب الرأي : إذا كانوا في قرية أهل ذمة ووجد اللقيط ذمي  قبلت شهادتهم وقضيت له به ، وقالوا : إن كان اللقيط في يد مسلم ، فإنه لا يصدق في القياس ، ولكني أستحسن فأجعله ابنه وأجعله مسلما ، وإذا وجد في مصر من أمصار المسلمين جعلته حرا مسلما ولا أقبل فيه شهادة أهل الذمة . 
وقال  أبو ثور   : وإذا أقام رجل على لقيط شاهدين أنه ابنه ، وأقامت امرأة شاهدين أنه ابنها  ، فإن وقتا البينتان قضيت به للأول منهما ، وإن لم يوقتا لم أجعله ابنهما إلا أن تزعم المرأة أن الرجل زوجها ، فأجعله ابنهما ، وإن زعمت أنه ابنها من غير هذا ، أري القافة فحكم فيه بما يقولون .  [ ص: 227 ] 
وقال أصحاب الرأي : نجعله ابنهما جميعا . 
وقال  أبو ثور   : وإذا ادعى أحدهما أنه ابنه ، وادعى الآخر أنه عبده ، وأقاما البينة قبلت البينتين ، وقضيت به ابن الذي ادعاه ، وقضيت به عبدا للآخر ، وقد يكون ابن رجل عبدا لرجل ، فإذا جاز هذا قبلت البينتين جميعا . 
وقال أصحاب الرأي : نقضي به للذي ادعى أنه ابنه ، ولا نقضي به للذي ادعى أنه عبده ، وإن أقام الذي ادعى أنه عبده البينة قضينا له به . 
وكان  أبو ثور  يقول : وإن أقام رجل بينة أنه ابنه من هذه الحرة ، وأقام آخر بينة أنه ابنه من هذه الأمة ، فإنه يرى القافة فما حكموا فيه حكم به . 
وقال أصحاب الرأي : يقضى به للحر والحرة ويعتقه . 
وقال  أبو ثور   : ولو أقام الآخر البينة أنه ابنه من هذه الحرة ، فإنا نقول فيه كما نقول فيما مضى . 
وقال أصحاب الرأي : نجعله ابنهما جميعا ، وابن المرأتين جميعا في قياس قول أبي حنيفة . وأما في قول يعقوب ومحمد يكون ابنهما جميعا ولا يكون ابن المرأتين جميعا ، فإن وقتت كل بينة وقتا معروفا يعرف في الصبي أنه على وقت أحدهما ، جعلته لصاحب الوقت . 
وقال  أبو ثور   : يكون لصاحب الوقت الأول . 
وقال أصحاب الرأي : إذا لم يعرف الوقت ينبغي في قول أبي حنيفة  أن يكون لصاحب الوقت الأول ، وفي قول يعقوب  ومحمد   : يقضى به بين الرجلين .  [ ص: 228 ] 
قال  أبو بكر :  وإذا ادعى اللقيط رجلان ، فأقام أحدهما بينة أنه ابنه ، وأقام الآخر بينة أنها ابنته ، فإذا هو خنثى ،  فإن كان يبول من قبل الفرج فهو جارية وقضي به لصاحب الجارية ، وإن كان يبول من قبل الذكر فهو غلام يقضى به لصاحب الابن ، وإن كان مشكلا : ففي قول  أبي ثور  يرى القافة فما حكموا فيه حكم به . 
وقال أصحاب الرأي : إذا لم يكن مشكلا كما قال  أبو ثور  ، وقالوا في المشكل : إذا كان البول يخرج من أحدهما أكثر يحكم به للذي يخرج منه أكثر البول ، وإن كان يخرج منهما جميعا فهو بينهما ، وفي قول يعقوب  ومحمد   : لأكثرهما بولا . 
وقال  أبو ثور   : وإذا ادعى اللقيط مسلم وذمي  فهو ابن المسلم ، وكذلك قال أصحاب الرأي . 
وقال  أبو ثور   : لو ادعى امرأتان مسلمة وذمية ، وجاءت كل واحدة منهما بامرأة تشهد لم تقبل دعوة النساء للولد إلا ببينة تشهد ، فإن شهد لأحدهما أربع نسوة عدول قبلت شهادتهم إذا كانوا مسلمين ، وقضيت به لمن شهدوا له مسلمة كانت أو ذمية . 
وقال أصحاب الرأي : نجعله للمسلمة ، وقالوا : إن شهد للذمي شهود مسلمون ، وشهد للمسلم شهود ذميون قضيت به للمسلم .  [ ص: 229 ] 
				
						
						
