ذكر قوله : "الرهن مركوب ومحلوب"
اختلف أهل العلم فيمن له منفعة الرهن من ركوب الظهر ولبن الدر وغير ذلك . فقالت طائفة : كل ذلك للراهن ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من ذلك . هذا قول الشافعي .
وروي عن الشعبي وابن سيرين أنهما قالا : لا ينتفع من الرهن بشيء .
وقال النخعي : كانوا يكرهون ذلك .
ورخصت طائفة أن ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب دون سائر الأشياء ، للحديث الذي روي فيه "إن الرهن مركوب ومحلوب " . [ ص: 537 ]
قال أحمد بن حنبل : لا ينتفع به إلا الدر ، [لحديث ] أبي هريرة .
وكذلك قال إسحاق . وحكي عن أحمد أنه قال : يحلب ويركب بقدر النفقة . وكان أبو ثور يقول : إن كان الراهن ينفق عليه لم ينتفع به المرتهن ، وإن كان الراهن لا ينفق عليه ، وتركه في يدي المرتهن فأنفق عليه ، فله ركوبه واستخدام العبد ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الرهن محلوب ومركوب ، وعلى الذي يحلب ويركب النفقة " ، فإذا أنفق على العبد استخدمه قياسا على السنة .
8351 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا زكريا ، عن عامر ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ، ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يشرب ويركب نفقته " .
8352 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن عبد الحميد الحلواني قال : حدثنا شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الرهن مركوب ومحلوب " . [ ص: 538 ]
8353 - أخبرنا النجار قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : "الرهن مركوب ومحلوب " .
واختلفوا في المرتهن ينتفع بالرهن .
فقالت طائفة : إن كان من بيع فجائز ، وإن كان من قرض فلا . روي هذا القول عن الحسن ، ومحمد ، وبه قال أحمد ، وإسحاق .
وقالت طائفة : لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الرهن إلى أجل في الدور والأرضين ، وكرهت ذلك [في ] الحيوان والثياب . هذا قول مالك .
وكره مالك ذلك في القرض ، لأنه يصير سلفا جر منفعة . [ ص: 539 ]
وأبطلت طائفة اشتراط ذلك كله في الدور والحيوان وغير ذلك للمرتهن ، وجعلت ذلك كله للراهن . هذا قول الشافعي .
8354 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن خالد الحذاء [و ] يونس ، عن محمد بن سيرين ، قال : جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال : إني أسلفت رجلا خمسمائة درهم ، ورهنني فرسا فركبتها - أو أركبها - قال : ما أصبت من ظهرها فهو ربا .
واختلفوا فيمن عليه نفقة الرقيق ومؤنتهم .
فقالت طائفة : نفقة الرقيق على الراهن . كذلك قال الشافعي ، وأحمد وإسحاق ، وأبو ثور ، ومالك ، وعبيد الله بن الحسن . وقال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي في علف الدواب كذلك أنه على الراهن .
وكان مالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد ، والنعمان يقولون : كفن العبد المرهون إن مات على الراهن . [ ص: 540 ]
وقال أصحاب الرأي : إن أصاب الرقيق جراحة أو مرض أو دبرت الدواب كان إصلاح ذلك ودواؤه على المرتهن إذا كان الدين والقيمة سواء ، وإن [كان ] الدين أقل من قيمة الرهن فالمعالجة عليهما على الراهن والمرتهن بحساب ذلك . وهذا كله في قول الشافعي على الراهن ليس على المرتهن منه شيء ، وكذلك نقول .
واختلفوا في المرتهن ينفق على الرهن بغير أمر الراهن .
فقالت طائفة : هو متطوع وليس له أن يرجع على الراهن ولا في الرهن بشيء . هذا قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وقال أبو ثور : إذا أنفق المرتهن على الدابة والمملوك قدر ما ينفق مثله . ولم يكن له حاجة إلى أن يركب ويستخدم ألزمناه الراهن .
وقال إسحاق : علف الدابة على المرتهن ، وله أن ينتفع بقدر العلف ، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "الرهن مركوب ومحلوب " .
قال أبو بكر : إذا أنفق كان متطوعا ولم يرجع على الراهن بشيء . [ ص: 541 ]


