المسألة الثامنة  
اختلفوا في  مسمى الصحابي      : فذهب أكثر أصحابنا   وأحمد بن حنبل  إلى أن الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يختص به اختصاص المصحوب ، ولا روى عنه ، ولا طالت مدة صحبته .  
وذهب آخرون إلى أن الصحابي إنما يطلق على من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - واختص به اختصاص المصحوب ، وطالت مدة صحبته ، وإن لم يرو عنه .  
وذهب  عمرو بن يحيى  إلى أن هذا الاسم إنما يسمى به من طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ عنه العلم .  
والخلاف في هذه المسألة ، وإن كان آيلا إلى النزاع في الإطلاق اللفظي ، فالأشبه إنما هو الأول ، ويدل على ذلك ثلاثة أمور .  
الأول : أن الصاحب اسم مشتق من الصحبة ، والصحبة تعم القليل والكثير ، ومنه يقال صحبته ساعة ، وصحبته يوما وشهرا ، وأكثر من ذلك ، كما يقال : فلان كلمني وحدثني وزارني ، وإن كان لم يكلمه ولم يحدثه ولم يزره سوى مرة واحدة .  
الثاني : أنه لو حلف أنه لا يصحب فلانا في السفر ، أو ليصحبنه ، فإنه يبر ويحنث بصحبته ساعة .  
الثالث : أنه لو قال قائل : صحبت فلانا ، فيصح أن يقال : صحبته ساعة أو يوما أو أكثر من ذلك ، وهل أخذت عنه العلم ورويت عنه ، أو لا ، ولولا أن الصحبة شاملة لجميع هذه الصور ، ولم تكن مختصة بحالة منها ، لما احتيج إلى الاستفهام  [1]    .  
 [ ص: 93 ] فإن قيل : إن الصاحب في العرف إنما يطلق على المكاثر الملازم ، ومنه يقال : أصحاب القرية ، وأصحاب الكهف والرقيم وأصحاب الرسول ، وأصحاب الجنة ، للملازمين لذلك ، وأصحاب الحديث للملازمين لدراسته وملازمته دون غيرهم .  
ويدل على ذلك أنه يصح أن يقال : فلان لم يصحب فلانا ، لكنه وفد عليه أو رآه أو عامله ، والأصل في النفي أن يكون محمولا على حقيقته ، بل لا بد مع طول المدة من أخذ العلم والرواية عنه ، ولهذا يصح أن يقال  المزني  صاحب   الشافعي  ،  وأبو يوسف  ومحمد بن الحسن  صاحبا  أبي حنيفة  [2] ولا يصح أن يقال لمن رآهما وعاشرهما طويلا ولم يأخذ عنهما ، أنه صاحب لهما .  
والجواب عن الشبهة الأولى : أنا لا نسلم أن اسم الصاحب لا يطلق إلا على المكاثر الملازم ، ولا يلزم من صحة إطلاق اسم الصاحب على الملازم المكاثر كما في الصور المستشهد بها امتناع إطلاقه على غيره ، بل يجب أن يقال بصحة إطلاق ذلك على المكاثر وغيره حقيقة ، نظرا إلى ما وقع به الاشتراك نفيا للتجوز ، والاشتراك عن اللفظ وصحة النفي إنما كان لأن الصاحب في أصل الوضع ، وإن كان لمن قلت صحبته أو كثرت ، غير أنه في عرف الاستعمال لمن طالت صحبته ، فإن أريد نفي الصحبة بالمعنى العرفي فحق ، وإن أريد نفيها بالمعنى الأصلي فلا يصح .  
وهذا هو الجواب عما قيل من اشتراط أخذ العلم والرواية عنه أيضا .  
وإذا عرف ذلك ، فلو قال من عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا صحابي مع إسلامه وعدالته ، فالظاهر صدقه .  
ويحتمل أن لا يصدق في ذلك ، لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه ، كما لو قال : أنا عدل ، أو شهد لنفسه بحق .  
هذا ما أردناه من الشروط المعتبرة .  
 [ ص: 94 ] وأما  الشروط التي ظن أنها شروط ، وليست كذلك      .  
فشروط : منها أنه ليس من شرط قبول الخبر العدد ، بل يكفي في القبول خبر العدل الواحد ، خلافا  للجبائي  ، فإنه قال : لا يقبل إلا أن يضاف إليه خبر عدل آخر ، أو موافقة ظاهرا ، وأن يكون منتشرا فيما بين الصحابة ، أو عمل به بعض الصحابة ، ونقل عنه أيضا أنه لا يقبل الخبر في الزنا إلا من أربعة .  
والوجه في الاحتجاج والانفصال ما سبق في مسألة وجوب التعبد بخبر الواحد .  
وأيضا فليس من شرطه الذكورة لما اشتهر من أخذ الصحابة بأخبار النساء ، كما سبق بيانه ، ولا البصر ، بل يجوز قبول  رواية الضرير إذا كان حافظا لما يسمعه   وله آلة أدائه .  
ولهذا كانت الصحابة تروي عن  عائشة  ما تسمعه من صوتها ، مع أنهم لا يرون شخصها : ولا عدم القرابة ، بل تجوز رواية الولد ، وبالعكس لاتفاق الصحابة على ذلك ، ولا عدم العداوة ؛ لأن حكم الرواية عام ، فلا يختص بواحد معين ، حتى تكون العداوة مؤثرة فيه ، ولا الحرية ، بل هذه الأمور إنما تشترط في الشهادة .  
ولا يشترط أيضا في الراوي أن يكون مكثرا من سماع الأحاديث مشهور النسب ، لاتفاق الصحابة على  قبول رواية من لم يرو سوى خبر واحد   وعلى  قبول رواية من لا يعرف نسبه ، إذا كان مشتملا على الشرائط المعتبرة      .  
ولا يشترط أيضا أن يكون فقيها عالما بالعربية وبمعنى الخبر .  
وسواء كانت روايته موافقة للقياس أو مخالفة خلافا  لأبي حنيفة  فيما يخالف القياس ، لقوله - صلى الله عليه وسلم : "  نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها     " إلى قوله : "  فرب حامل فقه ليس بفقيه     " دعا له وأقره على الرواية : ولو لم يكن مقبول القول لما كان كذلك ، ولأن الصحابة سمعوا أخبار آحاد لم يكونوا فقهاء كما ذكرناه فيما تقدم ، ولأن الاعتماد على خبر النبي - صلى الله عليه وسلم .  
والظاهر من الراوي إذا كان عدلا متدينا أنه لا يروي إلا ما يتحققه على الوجه الذي سمعه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					