المسألة الحادية عشرة  
الفعل وإن انقسم إلى أقسام وجهات فالواقع منه لا يقع إلا على وجه واحد منها   ، فلا يكون عاما لجميعها بحيث يحمل وقوعه على جميع جهاته ، وذلك كما روي عنه - عليه السلام - أنه صلى داخل  الكعبة   ، فصلاته الواقعة يحتمل أنها كانت فرضا ويحتمل أنها كانت نفلا ، ولا يتصور وقوعها فرضا نفلا ، فيمتنع الاستدلال بذلك على جواز  الفرض والنفل في داخل  الكعبة    جميعا ، إذ لا عموم للفعل الواقع بالنسبة إليهما ، ولا يمكن تعيين أحد القسمين إلا بدليل .  
وأما ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم -  أنه صلى بعد غيبوبة الشفق  ، فالشفق اسم مشترك بين الحمرة والبياض ، فصلاته يحتمل أنها وقعت بعد الحمرة ، ويحتمل أنها وقعت بعد البياض ، فلا يمكن حمل ذلك على وقوع فعل الصلاة بعدهما على رأي من لا يرى حمل اللفظ المشترك على جميع محامله ، وإنما يمكن ذلك على رأي من يرى ذلك كما سبق تحقيقه .  
فإن قول الراوي : صلى بعد غيبوبة الشفق ينزل منزلة قوله : صلى بعد الشفقين .  
 [ ص: 253 ] وفي هذا المعنى أيضا قول الراوي :  كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الصلاتين في السفر  ، فإنه يحتمل وقوع ذلك في وقت الأولى ، ويحتمل وقوعه في وقت الثانية ، وليس في نفس وقوع الفعل ما يدل على وقوعه فيهما ، بل في أحدهما .  
والتعين متوقف على الدليل .  
وأما وقوع ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - متكررا على وجه يعم سفر النسك وغيره ، فليس أيضا في نفس وقوع الفعل ما يدل عليه ، بل إن كان ولا بد فاستفادة ذلك إنما هي من قول الراوي : كان يجمع بين الصلاتين .  
ولهذا فإنه إذا قيل : كان فلان يكرم الضيف يفهم منه التكرار دون القصور على المرة الواحدة .  
وعلى هذا أيضا يجب أن يعلم أن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبا كان عليه أو جائزا له لا عموم له بالإضافة إلى غيره ، بل هو خاص في حقه إلا أن يدل دليل من خارج على المساواة بينه وبين غيره في ذلك الفعل ، كما لو صلى وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي ، أو غير ذلك  [1]    .  
فإن قيل : فقد أجمعت الأمة على تعميم سجود السهو في كل سهو ، بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سها في الصلاة فسجد ، وكذلك اتفقوا على تعميم ما نقل  عن  عائشة  أنها قالت : " كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو في الصلاة "  في حق كل أحد ، حتى إن   الشافعي  استدل بذلك على طهارة مني الآدمي ، واستدل به  أبو حنيفة  على جواز الاقتصار على الفرك في حق غير النبي مع حكمه بنجاسته .  
 [ ص: 254 ] وكذلك إجماعهم على وجوب الغسل من التقاء الختانين بقول  عائشة     : فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واغتسلنا ، وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سئل عن حكم أجاب بما يخصه ، وأحال معرفة ذلك على فعل نفسه .  
فمن ذلك لما  سألته   أم سلمة  عن الاغتسال قال : " أما أنا فأفيض الماء على رأسي "  ومن ذلك أنه لما سئل عن قبلة الصائم قال : "  أنا أفعل ذلك     " ، ولولا أن للفعل عموما لما كان كذلك .  
قلنا : أما تعميم سجود السهو ، فإنه إنما كان لعموم العلة ، وهي السهو من حيث إنه رتب السجود على السهو بفاء التعقيب ، وهو دليل العلية كما يأتي ذكره لا لعموم الفعل .  
وكذلك الحكم في قوله : "  زنى ماعز فرجم     " وفي قوله : "  رضخ يهودي رأس جارية فرضخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه     " .  
وأما العمل بخبر  عائشة  في فرك المني ووجوب الغسل من التقاء الختانين ، وإفاضة الماء على الرأس وقبلة الصائم ، فكل ذلك مستند إلى القياس لا إلى عموم الفعل لتعذره كما  [2] سبق ،  [3] والله أعلم .  
				
						
						
