وينبغي للإمام إذا تناهى عظم الثمار ، واحمرت ، واصفرت ، وصارت في حال ما يؤكل منه أن يبعث إليها من يخرصها ، ثم إجافا ، ثم يخلى بين أهلها وبينها يأكلونها ويصنعون بها ما بدا لهم ، فإذا جذوا ثم نخلهم أدوا إليه عشرها ونصف عشرها على ما كان خرصها عليهم في البدء من غير أن يكون بخرصه إياها عليهم ، وبتخليته بينهم وبينها مملكا لهم  [ ص: 345 ] حق الله - عز وجل - الواجب فيها من العشر أو من نصف العشر ، حتى يكون في معنى البائع كذلك منهم ، وحتى يكونوا في حال المتبايعين لذلك منه ، وحتى يكونوا ضامنين لذلك إن تلف أو أصابته جائحة ، وغير أن أهل الثمار كرهوا الخرص في ذلك ، واختاروا المكايلة في وقت ما تصير الثمرة ، ثم أخرص عليهم الخارص ليعلم ما حق الله - عز وجل - فيما خرصه عليهم ، ثم كايلهم في وقت الجذاذ ، وأخذ منهم ما يجب لله - عز وجل - تمرا . 
 713  - حدثنا يونس ،  قال : حدثنا  ابن وهب ،  أن  مالكا  أخبره ، قال : الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يخرص من الثمار إلا النخل والأعناب ،  فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه ويحل بيعه ، وذلك أن ثمر النخل والعنب يؤكل رطبا ، فيخرص على أهله للتوسعة على الناس ، لئلا يكون على أحد في ذلك ضيق ، فيخرص عليهم ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاؤوا ، ثم يردون الزكاة على ما يخرص عليهم . 
فأما ما لا يؤكل رطبا ، وإنما يؤكل بعد حصاده مثل الحبوب كلها ، فإنه لا يخرص ، وإنما على أهله فيه الأمانة إذا صار حبا ، حتى يؤدوا زكاته إذا بلغ في مثله الزكاة . 
قال : والأمر المجتمع عليه فيه عندنا أن النخل يخرص على أهلها وفي رؤوسها ثمرها إذا طاب وحل بيعه يؤخذ منهم تمرا بالجذاذ ، فإن أصابت الثمرة جائحة بعد أن تخرص على أهلها وقبل أن يجذوه أحاطت الجائحة بالثمرة ، فليس عليهم فيه شيء ، وإن بقي من الثمر ما يبلغ خمسة أوساق فصاعدا أخذ منه زكاته ، وليس عليهم في ما أصابت الجائحة زكاة ، وكذلك العمل في الكرم . 
وقد روي عن  الشافعي  في الخرص هذا المعنى . 
فأما الذي وجدناه في ذلك عن  محمد بن الحسن  فيها ، لم يحك فيه خلافا بينه وبين أحد من أصحابه ، فإن سليمان بن شعيب  حدثنا ، عن أبيه ، أن محمدا  أملى عليهم : أن " العنب الأبيض والأسود ، والتمر الأسود ، والأصفر يضاف بعض ذلك إلى بعض ، فإذا أخرجت الأرض منه مقدار خمسة أوسق من التمر الجاف ، أو من الزبيب فيه العشر أو نصف العشر ، فإن بيع رطبا أو عنبا ، أو بسرا خرص ذلك تمرا إجافا أو زبيبا ، فإن بلغ ذلك في الخرص خمسة أوسق أخذ منه العشر أو نصف العشر ، وإن ذلك لا يبلغ في الخرص لم يؤخذ منه شيء " .  [ ص: 346 ] 
فهذا الذي وجدنا عن محمد  في الخرص ، ولم نجد عنه في الخرص قبل بيع الثمار شيئا ، وإذا وجب أن يكون الإمام أن يستعمل الخرص فيما بيع من الثمار من النخل والأعناب على ما ذكرنا ، وجب أن يستعمله فيها قبل البيع ليتسع على أهلها بيع ما رأوا بيعه منها ، وأكل ما رأوا أكله منها ، كما روينا في ذلك عن  مالك ،   والشافعي  ، وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل في الثمار . 
 714  - حدثنا  ابن أبي داود ،   وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ،  قالا : حدثنا الوحاظي ،  وحدثنا  علي بن عبد الرحمن بن المغيرة ،  وأحمد بن داود ،  قالا : حدثنا  عبد الله بن مسلمة القعنبي ،  قال : حدثنا  سليمان بن بلال ،  قال : حدثنا عمرو بن يحيى المازني ،  عن  عباس بن سهل بن سعد الساعدي ،  عن  أبي حميد الساعدي   - رضي الله عنه - ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ،  فأتينا وادي القرى  على حديقة امرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخرصوها " ، فخرصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرصناها عشرة أوسق . 
وقال : " أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله " . 
فلما قدمنا سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حديقتها كم بلغ ثمرها ؟ قالت : عشرة أوسق .  
 715  - حدثنا أحمد بن داود ،  قال : حدثنا  إبراهيم بن المنذر ،  قال : حدثنا  عبد الله بن نافع ،  قال : حدثنا محمد بن صالح ،  عن  ابن شهاب ،  عن  ابن المسيب ،  عن عتاب بن أسيد ،  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أمره أن يخرص العنب زبيبا كما يخرص الرطب "   . 
فهذا الذي وجدنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذكر خرص الثمار في غير خيبر   . 
وفي حديث  أبي حميد  الذي روينا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر المرأة التي خرص عليها حديقتها بإحصاء ما فيها حتى يرجع إليها ، أي بإحصائه تمرا جافا . 
				
						
						
