وإذا كان اللعان كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعد وضع الحمل ، لم يخل ذلك اللعان من أحد معنيين ،  أحدهما : أن يكون اللعان كان بالقذف خاصة ، فهذا ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم . 
والآخر : أن يكون بالحمل بعدما بانت حقيقته ، ووقف عليها منه بوضع المرأة إياه ، فهذا مما لا حجة فيه لمن قال أنه يلاعن بينهما قبل وضع الحمل وقد روي عن  أنس  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما : 
 1976  - قد حدثنا  أبو بكرة  ، قال حدثنا  وهب بن جرير بن حازم  ، قال حدثنا  هشام ،  عن  محمد يعني : ابن سيرين ،  عن  أنس بن مالك  ، أن هلال بن أمية  قذف امرأته بشريك بن سحماء ،  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروها ، فإن جاءت به أبيض سبطا قصى العينين فهو لهلال بن أمية ، وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء .  
 [ ص: 419 ] قال : فجاءت أكحل جعدا أحمش الساقين .  
 1977  - حدثنا فهد بن سليمان  ، قال حدثنا  محمد بن كثير ،  عن  مخلد بن حسين ،  عن  هشام ،  عن  ابن سيرين ،  عن  أنس  ، أن هلال بن أمية  قذف شريك بن سحماء  بامرأته ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ائت بأربعة شهداء ، وإلا فحد في ظهرك قال : والله يا رسول الله إن الله يعلم أني لصادق ، يقول ذلك مرارا ، ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد ، فنزلت آية اللعان : ( والذين يرمون أزواجهم   ) . 
قال : فدعي هلال  فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة لأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . 
قال : ثم دعيت المرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فلما كان عند الخامسة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قفوها ، فإنها موجبة للعذاب . 
قال : فتكأكأت حتى ما شككنا أن ستقر ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت على اليمين . 
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروا ، فإن جاءت أبيض سبطا قصى العينين فهو لهلال بن أمية ،  وإن جاءت به جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء .  
قال : فجاءت به آدم جعدا حمش الساقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا ما سبق من كتاب الله عز وجل كان لي ولها شأن .  
قال : القصى العينين : طويل شق العينين ، ليس بمفتوح العينين . 
وقد روى  سهل بن سعد  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما : 
 1978  - قد حدثنا  الربيع المرادي  ، قال حدثنا  خالد بن عبد الرحمن الخراساني ،   [ ص: 420 ] قال حدثنا  ابن أبي ذئب ،  عن  الزهري  ، عن سهل ،  أن عويمرا  جاء إلى  عاصم ،  فقال : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله ، أتقتلونه به ؟ سل يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
فجاء  عاصم  فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها ، فقال عويمر :  والله لآتين النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ، وقد أنزل الله خلاف قول  عاصم ،  فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد أنزل فيكم قرآنا ، فدعاهما ، فتقدما ، فتلاعنا ، ثم قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقها وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها ، فجرت سنة في المتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروها ، فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة فلا أراه إلا وقد كذب عليها ، وإن جاءت به أسحم أغبر ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها .  
فجاءت به على الأمر المكروه . 
 1979  - حدثنا  الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي ،  قال حدثنا  أسد بن موسى ،  قال حدثنا  ابن أبي ذئب ،  عن  الزهري  ، عن سهل ،  فذكر مثل حديث  الربيع المرادي  عن خالد .  
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلا أراه إلا وقد كذب عليها ، ولا أراه إلا وقد صدق عليها ، في الموضعين ، وهذا خلاف ما في غيره ، وهذا عندنا - والله أعلم - أولى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه كان من سنته أن لا ينتفى الولد ببعد شبهه ممن ولد على فراشه  كما : 
 1980  - حدثنا يونس  ، قال حدثنا  ابن وهب  ، قال : أخبرني  ابن أبي ذئب ،   [ ص: 421 ]  ومالك ،  وسفيان ،  عن  ابن شهاب  ، عن  ابن المسيب  ، عن  أبي هريرة  ، أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن امرأتي قد ولدت غلاما أسود ، وإني أنكرته فقال : هل لك من إبل ؟ قال : نعم قال : ما ألوانها ؟ قال : حمر قال : فيها من أورق ؟ قال : إن فيها لورقا قال : فأنى ترى ذلك جاءها ؟ قال : يا رسول الله عرق نزعها قال : فلعل هذا عرق نزعه .  
 1981  - حدثنا يونس  ، قال أخبرنا  ابن وهب  ، قال : أخبرني يونس  ، عن  ابن شهاب  ، عن  أبي سلمة ،  عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء . 
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخص له في نفيه عنه لبعد شبهه به ، وضرب له المثل الذي ضربه في هذا الحديث ، فاستحال بذلك عندنا - والله أعلم - أن يكون الولد الذي ولدت امرأة هلال يكون لهلال  لشبهه به أو لشريك لشبهه به . 
ولما عقلنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو لشريك بن سحماء ،  في الموضع الذي قاله من هذا الحديث ، ليس على أنه نسب منه ، لأنه ليس بذي فراش للمرأة التي ولدته ، دل ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم ذلك ، وما قاله لهلال  من إضافته الولد إلى كل واحد منهما بالشبه به ، لم يكن على تحقيق إثبات نسب ، وإنما كان على غيره على ما ذكره عنه سهل  في حديثه هذا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					