ولما كان الفرض في يوم الجمعة عند أهل العلم على مذهبين ، فقوم منهم يقولون : الفرض هو الجمعة لا الظهر ، وقوم يقولون : الفرض هو الظهر على حكمها في سائر الأيام غير أن على الناس الذين يجب عليهم فرض الجمعة أن يحضروا الجمعة حتى يصلوها ، فيسقط عنهم بذلك فرض الظهر ، استحال أن يصلي البدل من الظهر قبل وقت الظهر في سائر الأيام ، واستحال أن يصلي الجمعة حتى يسقط بها فرض الظهر قبل دخول وقت الظهر ، ولما كان وقت الجمعة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما قد شهد لها من النظر ، بعد زوال الشمس ، كان النداء لها أيضا بعد دخول وقتها ، كما كان النداء للظهر في غير الجمعة بعد دخول وقتها . 
وكانت هذه الصلاة لها موطن خاص لا يجوز أن تصلى إلا فيه لم يذكر الله - عز وجل - ذلك في كتابه ، ولا وجدناه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وقد روي عن  علي بن أبي طالب  في ذلك ما  [ ص: 145 ]  : 
 209  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  أبو الوليد الطيالسي ،  قال : حدثنا  شعبة ،  عن زبيد ،  قال : سمعت  سعد بن عبيدة ،  عن  أبي عبد الرحمن ،  عن علي -  رضي الله عنه - ، قال : " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر من الأمصار   " . 
 210  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  وهب بن جرير ،  قال : حدثنا  شعبة ،  عن زبيد ،  عن  سعد بن عبيدة ،  عن  أبي عبد الرحمن ،  عن علي  كرم الله وجهه ، قال : " لا جمعة ، ولا تشريق إلا في مصر جامع   " . 
وهذا مما يحيط علما أن  عليا -  رضي الله عنه - لم يقله رأيا ، لأن مثله لا يقول بالرأي ، وإن لم يقله إلا توقيفا غير أن  عليا  لم يبين لنا في حديثه الأمصار ما هي ؟ فنظرنا في ذلك فإذا محمد بن خزيمة :  
 211  - قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج ،  قال : حدثنا  حماد بن سلمة ،  عن  حميد ،  عن  الحسن ،  أن  عمر -  رضي الله عنه - " مصر الأمصار سبعة :  المدينة  مصر ،  والبحرين ،  والبصرة ،  والكوفة ،  والجزيرة ،  والشام ،  ومصر   " . 
 212  - حدثنا محمد بن خزيمة ،  قال : حدثنا حجاج ،  قال : حدثنا  يزيد بن إبراهيم ،  قال : حدثنا  الحسن ،  قال : الأمصار سبعة :  المدينة  مصر ،  والبصرة ،  والكوفة  ، والبحرين ،  والجزيرة ،  والشام ،  ومصر   . 
قال : وذكرت له واسط  قال وقد قلتم واسط   . 
لما كانت هذه الأمصار إنما مصرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجب لها حكم الأمصار ، كان كذلك كل مصر للمسلمين سواها حتى صار في حكمها صارت الجمعة فيه كهي فيها ، غير أنه قد اختلف فيمن كان بقرب الأمصار هل يجب عليه حضور الجمعة أم لا ؟ . 
 213  - فحدثنا محمد بن خزيمة ،  قال : حدثنا  حجاج بن منهال ،  قال : حدثنا حماد ،  عن الحجاج ،  عن الوليد بن أبي مالك ،  أن  معاوية بن أبي سفيان ،  قال : " تجب الجمعة على من كان  [ ص: 146 ] على رأس أربعة فراسخ " .  
وخالفه في ذلك  عبد الله بن عمر .  
 214  - حدثنا محمد بن خزيمة ،  قال : حدثنا حجاج ،  قال : حدثنا جويرية ،  عن  نافع ،  عن  ابن عمر -  رضي الله عنه - ما ، قال : " تجب الجمعة على من آواه الليل "  ومعنى ذلك في أهله وقد خالفهما في ذلك  أنس بن مالك .  
 215  - حدثنا محمد ،  قال : حدثنا حجاج ،  قال : حدثنا حماد ،  عن  حميد ،  وغيره ، عن  أنس :   " أنه كان بالطف  فربما جمع ، وربما لم يجمع ، ومقدار الطف  من البصرة  أقل من أربعة فراسخ ، وأقل من مسيرة نصف يوم " . 
فدل ذلك على أن مذهب  أنس  في الجمعة أنها لا تجب إلا على من كان في الأمصار ممن عليه حضورها.  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					