وقد ذهب قوم إلى أن المسافر إذا أراد أن يصلي تطوعا على راحلته  استقبل القبلة ، وكبر للصلاة وهو مستقبل القبلة ، ثم لا يضره بعد ذلك كيف صار وجهه ، قالوا : وكذلك كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تطوعه على راحلته وذكرنا في ذلك ما : 
 271  - حدثنا يونس ،  قال : حدثنا  يحيى بن حسان ،  قال : حدثنا ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي ،  قال : حدثني عمرو بن أبي الحجاج ،  عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي ،  عن  أنس بن مالك -  رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان في سفر ، فأراد أن يصلي للتطوع " استقبل بناقته القبلة ثم كبر ، ثم صلى حيث توجهت به الناقة " .  
 272  - حدثنا  أبو أمامة ،  قال : حدثنا  أبو غسان النهدي ،  قال : حدثنا ربعي بن عبد الله بن الجارود ،  قال : سمعت رجلا يقال له : عمرو بن أبي الحجاج ،  يقول : حدثني الجارود بن أبي سبرة ،  قال : حدثني  أنس بن مالك ،  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يسافر ، فأراد أن يتطوع في الصلاة " استقبل بناقته القبلة وكبر ، ثم يصلي حيث توجهت به الناقة " .  
فلو وجدنا لهذا الحديث أصلا قلنا به ، ولكننا لم نجد له أصلا ، ولم نجد له مخرجا إلا من هذا الوجه الذي لا تقوم به الحجة ، ولا يصلح لنا قبول مثله ، لأن عمرو بن أبي الحجاج  لا يعرف ، ولأن ربعي بن عبد الله  ليس بالمشهور في نقل الحديث ، وكان ظاهر حديث  محمد بن عبد الرحمن  الذي رويناه في هذا الباب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كان يصلي على راحلته نحو المشرق ، وإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة ، وما كان يصليه مستقبل غيرها " . 
فهو مخالف لحديث الجارود  الذي رويناه عن  أنس ،  ولو تكافيا لكان حديث جابر  أولاهما ، لأنه لا يصلح لمن كان يصلي على الأرض استقبال غير القبلة مع دخوله في صلاته ولا بعد دخوله فيها . 
ألا ترى أنه لو افتتح الصلاة وهو على الأرض إلى غير القبلة ، وافتتحها إلى القبلة ، ثم انحرف إلى غير القبلة فصلى بعينها لذلك إن ذلك لا يجزئه ، وإنه يخرج بترك القبلة مما كان دخل فيه مستقبل القبلة . 
فلما كان التوجه إلى القبلة زاد بعد الدخول في الصلاة كما زاد عند الدخول فيها ، وكان  [ ص: 166 ] المسافر على راحلته لا يحتاج إلى استقبال القبلة بعد دخوله في صلاته ، كان كذلك أيضا لا يحتاج إلى استقبالها مع دخوله في صلاته . 
فقد ثبت بما ذكرنا في حكم القبلة في كتاب الله - عز وجل - الوجهان اللذان ذكرنا في كتاب الله - عز وجل - .
لها وجه ثالث وهو قوله : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا   ) ففي ذلك أنه بالخوف يرجع إلى الصلاة ، فيكون في ذلك كالمسافر الذي لا خوف عليه في التطوع ، وسنأتي بذلك وبما روي فيه في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					