44 - فأما من يعتمد منهم الألفاظ المعروفة المألوفة ، التي رواها  الآحاد      : مثل قوله - عليه السلام - : "  من كنت مولاه  فعلي  مولاه     " فالكلام على هؤلاء من وجوه : أحدها : أنا نقول : هذا اللفظ وما عداه وسواه نقله معدودون من الرواة ، وهم عرضة الزلل ، والخطل ، والهفوات ، وإن ظهر في غالب الأمر أنهم من الأثبات والثقات ; فيما نعانيه من هذا الفن القطع لا غالب الظن .  
فهذا مسلك كاف ووجهه في الرد على هؤلاء شاف .  
 [ ص: 39 ]    45 - ثم لو تتبعنا الألفاظ التي نقلوها لم نلف واحدا منها على ما عقلوها .  
فأما قوله - عليه السلام - : "  من كنت مولاه  فعلي  مولاه     " فالمولى من الألفاظ المشتركة المرددة بين مسميات وجهات في الاحتمالات ، فيطلق والمراد به ابن العم ، والمعتق والمعتق ، ويراد به الناصر . ولو خضنا في مأخذ هذا اللفظ من أصل الوضع ، وأقمنا عليه مراسم الاستشهاد بالنظم السائر والنثر ، لطال الكلام ، وتمادى المرام ، ولم نضع كتابنا هذا لمثل ذلك ; فإن تصنيف الماضين ، وتأليف المنقرضين ، مشحون بهذه الفنون ، ومعظم المتلقبين بالتصنيف في هذا الزمان السخيف يكتفون بتبويب أبواب ، وترتيب كتاب متضمنه كلام من مضى ، وعلوم من تصرم وانقضى .  
46 - ومقدار غرضنا الآن أن اللفظ الذي اعتقدوه معتصمهم ومعاذهم ، ومعتمدهم وملاذهم ، من المجملات التي يتطرق إليها تقابل الجائزات . والتعلق بالمحتملات فيما يبغى فيه القطع والبتات ، من شيم ذوي الجهالات .  
وقد قيل : جرت مفاوضة ومحاورة بين  علي   وزيد مولى رسول   [ ص: 40 ] الله     - صلى الله عليه وسلم -  فقال  علي     - رضي الله عنه -  لزيد     : أنا مولاك . فقال  زيد     : بل مولاي رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فلما اطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما جرى ; قال : " من كنت مولاه  فعلي  مولاه "     .  
47 - ومما تمسك به هؤلاء ما روي  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال  لعلي     : " أنت مني بمنزلة  هارون   من  موسى      " . وهذه اللفظة حقا من المجملات المعدودة عند ذوي التحصيل من أغمض المعوصات . ونحن إذا قدرنا فيه تعارض الاحتمالات ، ووجه الإجمال ، فقد أسقطنا وجه الاستدلال ; فإن الاستدلال بالظاهر الذي يتطرق إليه مسلك التأويل ليس عليه في القطعيات تعويل . فما الظن بالمجمل الذي لا يظهر لمعناه من حيث اللفظ تفصيل ؟ ؟ .  
فمن وجوه الإشكال أن  هارون      - عليه السلام - كان من المرسلين ،  وهارون   مات قبل  موسى   بسنين ، فلم يخلفه بعد وفاته . فلم يكن  علي  من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثابة  هارون   من  موسى   في شيء من حالاته . نعم . كان  علي     - رضي الله عنه - في حياة المصطفى وزره      [ ص: 41 ] ونصيره ، كما كان  هارون   ردء  موسى   وظهيره ، فإذا جرى الكلام في معرض الاستعجام والاستبهام ، لم يسغ الاعتصام به في مجتهدات الأحكام ، فكيف الظن بنصب الإمام ؟ وهو شوف الأنام ، وأحق ما يعلق بتحقيقة الاهتمام . وقد صح ورود هذا اللفظ على سبب لا يستتم معناه دون فهمه ، وهو أنه لما هم بغزوة تبوك ، استخلف على  المدينة   عليا  ، فعظم على  علي     - رضي الله عنه - تخلفه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاته ، وما كان عهد مفارقته في شيء من حالاته ، وربط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قلبه ، وخفف من كربه ، وقال : لم تزل مساهمي في الحسنى والسوءى ، والنعمى والبوسى ، وقد استخلفتك على أهلي كما استخلف  هارون   موسى      .  
48 - ثم نعارضهم ببعض ما صح عن سيد المرسلين في  أبي بكر  وعمر     - رضي الله عنهما - قال - عليه السلام - : "  لا ينبغي لقوم فيهم  أبو بكر  أن يتقدمهم غيره     " وقال :  يأبى الله والمسلمون      [ ص: 42 ] إلا  أبا بكر     " ، وقال : "  اقتدوا باللذين من بعدي  أبا بكر  وعمر     " واستخلف  أبا بكر  في إمامة الصلاة في مرضته التي توفي فيها ;  فقال : صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم - في تقدم  أبي بكر     - رضي الله عنه - رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إماما لديننا أفلا نرضاه لدنيانا ؟ ؟     .  
49 - والذي عليه التأويل في الجملة والتفصيل أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهدوا ، وغبنا ، واستيقنوا عن عيان ، واستربنا ، وكانوا قدوة الأنام ، وأسوة الإسلام ، لا يأخذهم في الله عذل وملام ، وما كانوا بعد استئثار الله برسوله تحت اقتهار واقتسار ، بل كانوا مالكين لأعنة الاختيار ، لا يؤثرون على الحق أحدا ، ولا يجدون من دونه ملتحدا ، ولم يرهق وجوههم الكريمة وهج البدع ، والأهواء ، ولم يقتحموا جراثيم اختلاف الآراء ، كالبيضة      [ ص: 43 ] التي لا تتشظى ، وإن سيموا مخالفة الحق يرتدوا كالجحمة تتلظى ، فليت شعري كيف لم يفهموا على ذكاء القرائح النصوص الصرائح ، ويفطن لها الرعاع الهمج المتضمخون بالمخازي والفضائح ؟ ! ! .  
50 - فقد بطل ادعاء النص وطاح ، واستبان الحق لباغيه ولاح ، فإذا نجز مقدار غرضنا من الرد على أصحاب النصوص ، ووضح بطلان مذهبهم على الخصوص ، وسبق في صدر الكلام وجوب نصب الإمام ، فقد حان الآن أن نوضح أن الاختيار من أهل الحل والعقد هو المستند المعتقد ، والمعول المعتضد ، فنقول مستمسكين بحبل الله المتين ، وفضله المبين ، وهو المعتصم في كل مطلب ، وليس وراء الله للمرء مذهب :  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					