[ ص: 1168 ]    206 - الفصل الأول  
في  أحكام البيع والكنائس   
قال تعالى : (  وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا      ) ، وقال : (  في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال      ) ، وقال تعالى : (  ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا      )  
قال   الزجاج     : " تأويل هذا : لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم - في كل شريعة نبي - المكان الذي يصلى فيه ، فلولا الدفع لهدم في زمن  موسى   الكنائس التي كان يصلى فيها في شريعته ، وفي زمن  عيسى   الصوامع والبيع ، وفي زمن  محمد   المساجد " .  
وقال  الأزهري     : " أخبر الله سبحانه أنه لولا دفعه بعض الناس عن الفساد ببعضهم لهدمت متعبدات كل فريق من أهل دينه وطاعته في كل      [ ص: 1169 ] زمان ، فبدأ بذكر الصوامع والبيع ؛ لأن صلوات من تقدم من أنبياء  بني إسرائيل   وأصحابهم كانت فيها قبل نزول القرآن ، وأخرت المساجد ؛ لأنها حدثت بعدهم " .  
وقال  ابن زيد     : " الصلوات ؛ صلوات أهل الإسلام تنقطع إذا دخل عليهم العدو " .  
قال  الأخفش     : " وعلى هذا القول : الصلوات لا تهدم ولكن تحل محل فعل آخر ، كأنه قال : تركت صلوات " .  
وقال  أبو عبيدة     : " يعني مواضع الصلوات " .  
وقال  الحسن     : " يدفع عن مصليات أهل الذمة بالمؤمنين " .  
وعلى هذا القول لا يحتاج إلى التقدير الذي قدره أصحاب القول الأول ، وهذا ظاهر اللفظ ولا إشكال فيه بوجه ، فإن الآية دلت على الواقع ، لم تدل على كون هذه الأمكنة - غير المساجد - محبوبة مرضية له ، لكنه أخبر أنه لولا دفعه الناس بعضهم ببعض لهدمت هذه الأمكنة التي كانت محبوبة له قبل الإسلام وأقر منها ما أقر بعده ، وإن كانت مسخوطة له كما أقر أهل الذمة ، وإن كان يبغضهم ويمقتهم ويدفع عنهم بالمسلمين مع بغضه لهم .  
وهكذا يدفع عن مواضع متعبداتهم بالمسلمين وإن كان يبغضها ، وهو سبحانه يدفع عن متعبداتهم التي أقروا عليها شرعا وقدرا ، فهو يحب      [ ص: 1170 ] الدفع عنها وإن كان يبغضها ، كما يحب الدفع عن أربابها وإن كان يبغضهم .  
وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى ، وهو مذهب   ابن عباس  في الآية .  
قال ابن أبي حاتم في " تفسيره " : حدثنا   أبو سعيد الأشج     : حدثنا   عبيد الله - هو ابن موسى     - عن  إسرائيل  ، عن   السدي  ، عمن حدثه  عن   ابن عباس  رضي الله عنهما : (  لهدمت صوامع وبيع      ) قال : الصوامع التي يكون فيها الرهبان ، والبيع مساجد  اليهود   ، والصلوات كنائس  النصارى   ، والمساجد مساجد المسلمين     .  
قال   ابن أبي حاتم     : وأخبرنا  الأشج  ، ثنا   حفص بن غياث  ، عن  داود  ، عن  أبي العالية  قال : (  لهدمت صوامع      ) قال : صوامع وإن كان يشرك به ! وفي لفظ : إن الله يحب أن يذكر ولو من كافر .  
 [ ص: 1171 ] وفي تفسير شيبان ، عن  قتادة     : الصوامع للصابئين ، والبيع  للنصارى   ، والصلوات  لليهود   ، والمساجد للمسلمين .  
وقد تضمن الشرط ذكر الدير والقلاية والكنيسة والصومعة .  
فأما الدير  فللنصارى   خاصة يبنونه للرهبان خارج البلد ، يجتمعون فيه للرهبانية والتفرد عن الناس .  
وأما القلاية فيبنيها رهبانهم مرتفعة كالمنارة ، والفرق بينها وبين الدير أن الدير يجتمعون فيه والقلاية لا تكون إلا لواحد ينفرد بنفسه ، ولا يكون لها باب بل فيها طاقة يتناول منها طعامه وشرابه وما يحتاج إليه .  
وأما الصومعة فهي كالقلاية تكون للراهب وحده .  
قال  الأزهري     : الصومعة من البناء سميت صومعة لتلطف أعلاها . يقال : صمع الثريدة إذا رفع رأسها وحدده ، وتسمى الثريدة إذا كانت كذلك صومعة ، ومن هذا يقال : رجل أصمع القلب إذا كان حاد الفطنة .  
ومنهم من فرق بين الصومعة والقلاية ؛ بأن القلاية تكون منقطعة في فلاة من الأرض ، والصومعة تكون على الطرق .  
وأما البيع فجمع بيعة ، وأهل اللغة والتفسير على أنها متعبد  النصارى   ، إلا ما حكيناه  عن   ابن عباس  أنه قال : " البيع مساجد  اليهود      " .  
 [ ص: 1172 ] وأما الكنائس فجمع كنيسة ، وهي لأهل الكتابين ،  ولليهود   خاصة الفهر - بضم الفاء والهاء - واحدها فهر ، وهو بيت المدراس الذي يتدارسون فيه العلم .  
وفي الحديث : "  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على  اليهود   بيت مدراسهم     "  
وفيه أيضا قول  أنس     : " كأنهم اليهود حين خرجوا من فهرهم " .  
وحكم هذه الأمكنة كلها حكم الكنيسة " وينبغي التنبيه عليها .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					