[ ص: 231 ] قوله : (  ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام      ) .  
ش : هذا من باب الاستعارة ، إذ القدم الحسي لا تثبت إلا على ظهر شيء . أي لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين ، وينقاد إليها ، ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه . روى   البخاري  عن الإمام   محمد بن شهاب الزهري  رحمه الله أنه قال : من الله الرسالة ، ومن الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم . وهذا كلام جامع نافع .  
وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل ، وهو : أن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد ، بل هو دون ذلك بكثير ، فإن العامي يمكنه أن يصير عالما ، ولا يمكن للعالم أن يصير نبيا رسولا ، فإذا عرف العامي المقلد عالما ، فدل عليه عاميا آخر . ثم اختلف المفتي والدال ، فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي ، دون الدال ، فلو قال الدال : الصواب معي دون المفتي ، لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفت ، فإذا قدمت قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفت ، فلزم القدح في فرعه ! فيقول له المستفتي : أنت لما شهدت له      [ ص: 232 ] بأنه مفت ، ودللت عليه ، شهدت له بوجوب تقليده دونك ، فموافقتي لك في هذا العلم المعين ، لا تستلزم موافقتك في كل مسألة ، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك ، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفت ، هذا مع علمه أن ذلك المفتي قد يخطئ .  
والعاقل يعلم أن  الرسول معصوم في خبره عن الله تعالى   ، لا يجوز عليه الخطأ ، فيجب عليه التسليم له والانقياد لأمره ، وقد علمنا بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو قال للرسول : هذا القرآن الذي تلقيه علينا ، والحكمة التي جئتنا بها ، قد تضمن كل منهما أشياء كثيرة تناقض ما علمناه بعقولنا ، ونحن إنما علمنا صدقك بعقولنا ، فلو قبلنا جميع ما تقوله مع أن عقولنا تناقض ذلك لكان قدحا في ما علمنا به صدقك ، فنحن نعتقد موجب الأقوال المناقضة لما ظهر من كلامك ، وكلامك نعرض عنه ، لا نتلقى منه هديا ولا علما ، لم يكن مثل هذا الرجل مؤمنا بما جاء به الرسول ، ولم يرض منه الرسول بهذا ، بل يعلم أن هذا لو ساغ لأمكن كل أحد أن لا يؤمن بشيء مما جاء به الرسول ، إذ العقول متفاوتة ، والشبهات كثيرة ، والشياطين لا تزال تلقي الوساوس في النفوس ، فيمكن كل أحد أن يقول مثل هذا في كل ما أخبر به الرسول وما أمر به ! ! وقد قال تعالى :  وما على الرسول إلا البلاغ      ( النور : 54 ) . وقال :  فهل على الرسل إلا البلاغ المبين      ( النحل : 35 ) . وقال تعالى :  وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء      ( إبراهيم : 4 ) .  قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين      ( المائدة : 15 ) .  حم   والكتاب المبين      ( الدخان : 1 - 2 ، والزخرف : 1 - 22 ) .  تلك آيات الكتاب المبين      ( يوسف : 2 ) .  ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون      ( يوسف : 111 ) .      [ ص: 233 ] ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين      ( النحل : 89 ) . ونظائر ذلك كثيرة في القرآن .  
فأمر الإيمان بالله واليوم الآخر : إما أن يكون الرسول تكلم فيه بما يدل على الحق أم لا ؟ الثاني باطل ، وإن كان قد تكلم على الحق بألفاظ مجملة محتملة ، فما بلغ البلاغ المبين ، وقد شهد له خير القرون بالبلاغ ، وأشهد الله عليهم في الموقف الأعظم ، فمن يدعي أنه في أصول الدين لم يبلغ البلاغ المبين ، فقد افترى عليه صلى الله عليه وسلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					