والنصوص الواردة المتنوعة المحكمة على علو الله على خلقه   ، وكونه فوق عباده ، التي تقرب من عشرين نوعا :  
 [ ص: 381 ] أحدها : التصريح بالفوقية مقرونا بأداة ( ( من ) ) المعينة للفوقية بالذات ، كقوله تعالى :  يخافون ربهم من فوقهم      [ النحل : 50 ] .  
الثاني : ذكرها مجردة عن الأداة ، كقوله :  وهو القاهر فوق عباده      [ الأنعام : 18 و 61 ] .  
الثالث : التصريح بالعروج إليه نحو :  تعرج الملائكة والروح إليه      [ المعارج : 4 ] . وقوله صلى الله عليه وسلم :  فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم     .  
الرابع : التصريح بالصعود إليه . كقوله تعالى :  إليه يصعد الكلم الطيب      [ فاطر : 10 ] .  
الخامس : التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه ، كقوله تعالى :  بل رفعه الله إليه      [ النساء : 158 ] . وقوله :  إني متوفيك ورافعك إلي      [ آل عمران : 55 ] .  
 [ ص: 382 ] السادس : التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو ، ذاتا وقدرا وشرفا ، كقوله تعالى :  وهو العلي العظيم      [ البقرة : 255 ] .  وهو العلي الكبير      [ سبأ : 23 ] .  إنه علي حكيم      [ الشورى : 51 ] .  
السابع : التصريح بتنزيل الكتاب منه ، كقوله تعالى :  تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم      [ الزمر : 1 ] .  تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم      [ غافر : 2 ] .  تنزيل من الرحمن الرحيم      [ فصلت : 2 ] .  تنزيل من حكيم حميد      [ فصلت : 42 ] .  قل نزله روح القدس من ربك بالحق      [ النحل : 102 ] .  حم   والكتاب المبين   إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين   فيها يفرق كل أمر حكيم   أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين      [ الدخان : 1 - 5 ] .  
 [ ص: 383 ] الثامن : التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده ، وأن بعضها أقرب إليه من بعض ، كقوله :  إن الذين عند ربك      [ الأعراف : 206 ] .  وله من في السماوات والأرض ومن عنده      [ الأنبياء : 19 ] . ففرق بين ( ( من له ) ) عموما وبين ( ( من عنده ) ) من ملائكته وعبيده خصوصا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه الرب تعالى على نفسه :  أنه عنده فوق العرش     .  
التاسع : التصريح بأنه تعالى في السماء ، وهذا عند المفسرين من أهل السنة على أحد وجهين : إما أن تكون ( ( في ) ) بمعنى ( ( على ) ) ، وإما أن يراد بالسماء العلو ، لا يختلفون في ذلك ، ولا يجوز الحمل على غيره .  
العاشر : التصريح بالاستواء مقرونا بأداة ( ( على ) ) مختصا بالعرش ، الذي هو أعلى المخلوقات ، مصاحبا في الأكثر لأداة ( ( ثم ) ) الدالة على الترتيب والمهلة .  
الحادي عشر : التصريح برفع الأيدي إلى الله تعالى ، كقوله صلى الله عليه وسلم :      [ ص: 384 ] إن الله يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا     .  
والقول بأن العلو قبلة الدعاء فقط - باطل بالضرورة والفطرة ، وهذا يجده من نفسه كل داع ، كما يأتي إن شاء الله تعالى .  
الثاني عشر : التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا ، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل .  
الثالث عشر : الإشارة إليه حسا إلى العلو ، كما أشار إليه من هو أعلم بربه وبما يجب له ويمتنع عليه من جميع البشر ، لما كان بالمجمع الأعظم الذي لم يجتمع لأحد مثله ، في اليوم الأعظم ، في المكان الأعظم ، قال لهم : أنتم مسئولون عني ، فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا . نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فرفع أصبعه الكريمة إلى السماء رافعا لها إلى من هو فوقها وفوق كل شيء ، قائلا : اللهم اشهد . فكأنا نشاهد تلك الأصبع الكريمة وهي مرفوعة إلى الله ،      [ ص: 385 ] وذلك اللسان الكريم وهو يقول لمن رفع أصبعه إليه : اللهم اشهد ، ونشهد أنه بلغ البلاغ المبين ، وأدى رسالة ربه كما أمر ، ونصح أمته غاية النصيحة ، فلا يحتاج مع بيانه وتبليغه وكشفه وإيضاحه إلى تنطع المتنطعين ، وحذلقة المتحذلقين ! والحمد لله رب العالمين .  
الرابع عشر : التصريح بلفظ " الأين " كقول أعلم الخلق به ، وأنصحهم لأمته ، وأفصحهم بيانا عن المعنى الصحيح ، بلفظ لا يوهم باطلا بوجه : " أين الله " ، في غير موضع .  
الخامس عشر : شهادته صلى الله عليه وسلم لمن قال إن ربه في السماء - بالإيمان .  
السادس عشر : إخباره تعالى عن فرعون أنه رام الصعود إلى السماء ، ليطلع إلى إله  موسى   فيكذبه فيما أخبره من أنه سبحانه فوق السماوات ، فقال :  ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب   أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا      [ غافر : 36 - 37 ] . فمن نفى العلو من  الجهمية   فهو فرعوني ، ومن أثبته فهو موسوي محمدي .  
السابع عشر : إخباره صلى الله عليه وسلم : أنه تردد بين  موسى   عليه السلام وبين ربه      [ ص: 386 ] ليلة المعراج بسبب تخفيف الصلاة ، فيصعد إلى ربه ثم يعود إلى  موسى   عدة مرار .  
الثامن عشر : النصوص الدالة على  رؤية أهل الجنة له تعالى   ، من الكتاب والسنة ، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يرونه كرؤية الشمس والقمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ، فلا يرونه إلا من فوقهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم :  بينا أهل الجنة في نعيمهم ، إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رءوسهم ، فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم ، وقال : يا أهل الجنة ، سلام عليكم ، ثم قرأ قوله تعالى :  سلام قولا من رب رحيم      [ يس : 58 ] . ثم يتوارى عنهم ، وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم رواه الإمام  أحمد  في المسند ، وغيره ، من حديث  جابر  رضي الله عنه .  
ولا يتم إنكار الفوقية إلا بإنكار الرؤية . ولهذا طرد  الجهمية   النفيين ، وصدق  أهل السنة   بالأمرين معا ، وأقروا بهما ، وصار من أثبت الرؤية ونفى العلو مذبذبا بين ذلك ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ! وهذه الأنواع من الأدلة لو بسطت أفرادها لبلغت نحو ألف دليل ، فعلى المتأول أن يجيب عن ذلك كله ! وهيهات له بجواب صحيح عن بعض ذلك !  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					