قوله : ( وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات ) .  
 [ ص: 664 ] ش : اتفق أهل السنة أن  الأموات ينتفعون من سعي الأحياء   بأمرين : أحدهما : ما تسبب إليه الميت في حياته .  
والثاني : دعاء المسلمين واستغفارهم له ، والصدقة والحج ، على نزاع فيما يصل إليه من ثواب الحج : فعن  محمد بن الحسن  رحمه الله : أنه إنما يصل إلى الميت ثواب النفقة ، والحج للحاج . وعند عامة العلماء : ثواب الحج للمحجوج عنه ، وهو الصحيح .  
واختلف في العبادات البدنية ، كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر : فذهب  أبو حنيفة  وأحمد  وجمهور السلف إلى وصولها ، والمشهور من مذهب   الشافعي  ومالك  عدم وصولها .  
وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شيء البتة ،   لا الدعاء ولا غيره . وقولهم مردود بالكتاب والسنة ، لكنهم استدلوا بالمتشابه من قوله تعالى :  وأن ليس للإنسان إلا ما سعى      [ النجم : 39 ] . وقوله :  ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون      [ يس : 54 ] . وقوله :  لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت      [ البقرة : 286 ] .  
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به من بعده    . فأخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب فيه في الحياة ،      [ ص: 665 ] وما لم يكن تسبب فيه في الحياة فهو منقطع عنه .  
واستدل المقتصرون على وصول العبادات التي تدخلها النيابة ، كالصدقة والحج بأن النوع الذي لا تدخله النيابة بحال ،   كالإسلام والصلاة والصوم وقراءة القرآن ، يختص ثوابه بفاعله لا يتعداه ، كما أنه في الحياة لا يفعله أحد عن أحد ، ولا ينوب فيه عن فاعله غيره - وقد روى   النسائي  بسنده ، عن   ابن عباس ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :  لا يصلي أحد عن أحد ، ولا يصوم أحد عن أحد ، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة     .  
والدليل على انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه ، الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح      .  
أما الكتاب ، فقال تعالى :  والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان      [ الحشر : 10 ] . فأثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم ، فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء . وقد دل على  انتفاع الميت بالدعاء   إجماع الأمة على  الدعاء له في صلاة الجنازة   ، والأدعية التي وردت بها السنة في صلاة الجنازة مستفيضة . وكذا الدعاء له بعد الدفن ، ففي سنن  أبي داود ،  من حديث   عثمان بن عفان  رضي الله عنه ، قال :  كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم   ، واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل     .  
 [ ص: 666 ] وكذلك  الدعاء لهم عند زيارة قبورهم   ، كما في صحيح  مسلم ،  من حديث   بريدة بن الحصيب ،  قال :  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم  إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين   ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية     . وفي صحيح  مسلم  أيضا ، عن  عائشة  رضي الله عنها :  سألت النبي صلى الله عليه وسلم : كيف تقول إذا استغفرت لأهل القبور ؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون     .  
وأما  وصول ثواب الصدقة   ، ففي الصحيحين ، عن  عائشة  رضي الله عنها :  أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن أمي افتلتت نفسها ، ولم توص ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ، أفلها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم     .  
وفي صحيح   البخاري ،  عن   عبد الله بن عباس  رضي الله عنهما :      [ ص: 667 ] أن   سعد بن عبادة  توفيت أمه وهو غائب عنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :  يا رسول الله ، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها ، فهل ينفعها إن تصدقت ؟ قال : نعم  ، قال : فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها    . وأمثال ذلك كثيرة في السنة .  
وأما  وصول ثواب الصوم   ، ففي الصحيحين ، عن  عائشة  رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  من مات وعليه صيام صام عنه وليه    . وله نظائر في الصحيح .  
ولكن  أبو حنيفة  رحمه الله قال بالإطعام عن الميت دون الصيام عنه ، لحديث   ابن عباس  المتقدم . والكلام على ذلك معروف في كتب الفروع .  
وأما وصول ثواب الحج ،   ففي صحيح   البخاري ،  عن   ابن عباس  رضي الله عنهما :  أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن      [ ص: 668 ] أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟   قال : [ نعم ] حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء    . ونظائره أيضا كثيرة .  
وأجمع المسلمون على أن قضاء الدين يسقطه من ذمة الميت ،   ولو كان من أجنبي ، ومن غير تركته . وقد دل على ذلك حديث أبي قتادة ، حيث ضمن الدينارين عن الميت ، فلما قضاهما قال النبي صلى الله عليه وسلم : الآن بردت عليه جلدته     .  
وكل ذلك جار على قواعد الشرع . وهو محض القياس ، فإن الثواب حق العامل ، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك ، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته ، وإبرائه له منه بعد وفاته .  
وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية . يوضحه : أن الصوم كف النفس عن      [ ص: 669 ] المفطرات بالنية ، وقد نص الشارع على وصول ثوابه إلى الميت ، فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية ؟ !  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					