أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد التميمي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ ، حدثنا محمد بن [ ص: 64 ] عبد الله بن رسته ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حرب بن سريج ، حدثنا أيوب السختياني ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .
فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا ورجونا .
أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي ، أخبرنا محمد بن مكي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا مهدي بن ميمون ، حدثنا واصل الأحدب ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني آت من ربي فأخبرني ، أو قال : بشرني ، أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق" .
[ ص: 65 ] وقوله : ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما أي : اختلق ذنبا غير مغفور .
قال الزجاج : يقال : افترى فلان الكذب ، إذا اعتمله واختلقه ، وأصله من الفري وهو بمعنى القطع .
قوله عز وجل : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال ابن عباس في رواية الكلبي : نزلت في اليهود ، أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، هل على هؤلاء من ذنب ؟ فقال : لا .
فقالوا : والله ما نحن إلا كهيئتهم ، ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل ، وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار ، فكذبهم الله تعالى .
ومعنى يزكون أنفسهم : يزعمون أنهم أزكياء ، وتفسير التزكية قد مر .
وقوله : بل الله يزكي من يشاء يجعل من يشاء زاكيا ، قال ابن عباس : يريد : أهل التوحيد ، ولا يظلمون فتيلا قال ابن عباس : يريد : ولا ينقصون من الثواب قدر فتيل النواة ، يريد القشرة التي حول النواة فيما بينها وبين البسرة .
قال الفراء : الفتيل : ما فتلت بين أصبعيك من الوسخ .
وهو قول السدي ، وقال ابن السكيت : القطمير : القشرة الرقيقة على النواة ، والفتيل : ما كان في شق النواة ، والنقير : النكتة في ظهر النواة .
قال الأزهري : وهذه الأشياء كلها تضرب أمثالا للشيء التافه الحقير القدر أي : لا يظلمون قدرها ، قال النابغة :
[ ص: 66 ]
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ثم لا يرزأ العدو فتيلا
قوله جل جلاله : انظر كيف يفترون على الله الكذب هذا تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهي قولهم : يكفر عنا ما نعمله ، وكفى به أي : كفى هو يعني : افتراءهم ، إثما مبينا وتأويل هذا : تعظيم إثمهم .قوله عز وجل : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يعني : علماء اليهود الذين أعطوا علم أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، يؤمنون بالجبت والطاغوت كل معبود من دون الله فهو جبت .
قال ابن عباس في رواية عطية : الجبت : الأصنام ، والطاغوت : تراجمة الأصنام الذين يكونون بين أيديهم يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس .
وفي رواية الوالبي : الجبت : الكاهن ، والطاغوت : الساحر ، وقال الكلبي : الجبت في هذه الآية : حيي بن أخطب ، والطاغوت : كعب بن الأشرف ، سميا بذلك لإغوائهما الناس ولطاعة اليهود لهما في معصية الله تعالى .
وقوله : ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا وذلك أن حييا ، وكعبا لقيا قريشا بالموسم فقال لهما المشركون : أنحن أهدى طريقا أم محمد وأصحابه ؟ فقالا : بل أنتم أهدى سبيلا ، وأقوم طريقا ، وأحسن من الذين آمنوا دينا ، وهما يعلمان أنهما كاذبان ، حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه .
قال الزجاج : وهذا دليل على معاندة اليهود لأنهم زعموا أن المشركين الذين لا يصدقون بشيء من الكتب وعبدوا الأصنام أهدى طريقا من الذين يوافقونهم على كثير مما يصدقون به .
ثم أنزل الله فيهم قوله : أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ناصرا ينصره ، ومانعا من عذاب الله ، ثم وصفهم بالبخل فقال :
[ ص: 67 ] أم لهم : على معنى : بل ألهم ، نصيب من الملك وهذا استفهام معناه الإنكار ، أي : ليس لهم ذلك .
وقوله فإذا لا يؤتون الناس نقيرا قال الفراء : هذا جواب لجزاء مضمر كأنك قلت : ولئن كان لهم نصيب لا يؤتون الناس نقيرا إذا .
قال الزجاج : وتأويل إذا : إن كان الأمر كما جرى ، أو كما ذكرت ، يقول القائل : زيد يصير إليك .
فتقول : إذا أكرمه .
أي : إن كان الأمر على ما تصف وقع إكرامه .
قال ابن عباس : النقير : نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة .
قال الزجاج : وذكر النقير هاهنا : تمثيل ، المعنى لبخلوا بالقليل .
قوله عز وجل : أم يحسدون الناس الآية ، حسدت اليهود محمدا صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من النبوة ، فقال الله تعالى : أم يحسدون الناس على معنى : بل أيحسدون الناس ، يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الناس وهو واحد ؛ لأنه اجتمع عنده من خلال الخير ما يكون في جماعة ، ومثله قوله إن إبراهيم كان أمة .
وقوله : على ما آتاهم الله من فضله يعني : النبوة ، وقد علموا أن النبوة كانت في آله ، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة يعني : النبوة ، يريد ما كان في بني إسرائيل من الكتاب والنبوة ، وكانوا من آل إبراهيم لأنهم كانوا أولاد إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان ولد إسماعيل بن إبراهيم .
وهذا الذي ذكرنا قول الحسن ، وابن جريج ، وقتادة ، واختيار الزجاج .
وقوله : وآتيناهم ملكا عظيما قال مجاهد : يعني النبوة ؛ لأن الملك لمن له الأمر والطاعة ، والأنبياء لهم الطاعة والأمر .
[ ص: 68 ] قوله عز وجل : فمنهم من آمن به قال ابن عباس ، والأكثرون : من أهل الكتاب من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من صد عنه أعرض ولم يؤمن ، وكفى بجهنم سعيرا عذابا لمن لا يؤمن .
				
						
						
