( الثاني ) قال  الجلال الدواني  في شرح العقائد العضدية ما لفظه :  ولابن تيمية أبي العباس أحمد  وأصحابه ميل عظيم إلى  إثبات الجهة   ، ومبالغة في القدح في نفيها ، قال : ورأيت في بعض تصانيفه أنه لا فرق عند بديهة العقل      [ ص: 209 ] بين أن يقال هو معدوم ، وبين أن يقال طلبته في جميع الأمكنة فلم أجده ، ونسب النافين إلى التعطيل ، قال هذا مع علو كعبه في العلوم النقلية والعقلية ، كما يشهد به من تتبع تصانيفه ، قال : ومحصل كلام بعضهم في بعض المواضع أن الشرع ورد بتخصيصه تعالى بجهة الفوق كما خص  الكعبة   بكونها بيت الله لذلك يتوجه إليها في الدعاء ، قال : ولا يخفى إنه ليس في هذا القدر غائلة أصلا ، لكن بعض أصحاب الحديث من المتأخرين لم يرض بهذا القول ، وأنكر كون الفوق قبل الدعاء ، بل قال قبلة الدعاء هو بعينه نفسه ، كما أن نفس  الكعبة   قبلة الصلاة ، وصرح بكونه جهة الله حقيقة من غير تجوز . اه كلامه بحروفه .  
قلت : ليس  شيخ الإسلام  بأول من نسب النافين للتعطيل ، فهذا   أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب  ، هو الذي تبع طريقته   أبو الحسن الأشعري  ، وإن خالفه في بعض الأشياء ، إلا إنه على نهجه في إثبات الصفات الفوقية وعلو الله على عرشه ، قال  ابن كلاب  في كتبه : أخرج من الأثر والنظر من قال إنه سبحانه لا داخل العالم " ولا خارجه " .  
وحكى عنه   أبو الحسن الأشعري  ، أنه كان يقول إن الله مستو على عرشه كما قال وإنه فوق كل شيء . هذا لفظ حكاية  الأشعري  ، وحكى عنه  أبو بكر   وابن فورك  فيما جمعه من مقالاته في كتاب المجرد : أخرج من النظر والخبر قول من قال لا هو في العالم ولا خارجا عنه ، فنفاه نفيا مستويا ، لأنه لو قيل له صفة بالعدم ما قدر أن يقول أكثر من هذا .  
وقال  ابن كلاب     : إن قالوا لا فوق ولا تحت ، أعدموه لأن ما كان فوق ولا تحت عدم .  
قال  شيخ الإسلام ابن تيمية      - قدس الله روحه - : ولما رجع  الأشعري  عن مذهب  المعتزلة   سلك طريق  ابن كلاب  ، ومال إلى أهل السنة والحديث ، وانتسب إلى   الإمام أحمد  ، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها .  
وقال  شيخ الإسلام  في رسالته التدمرية بعد أن ذكر أن الذين لا يصفونه إلا بالسلوب لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا ، بل ولا موجودا ، قال : وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا : إنه لا يتكلم ، ولا يرى أو ليس فوق العالم ، أو لم يستو على العرش ، ويقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه ، ولا مباين للعالم ولا محايث له ، إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها      [ ص: 210 ] المعدوم وليست هي مستلزمة صفة ثبوت ، ولهذا قال   محمود بن سبكتكين  لمن ادعى ذلك في الخلق : ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم ، انتهى .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					