( التاسع )  
مذهب السلف هو المذهب المنصور ، والحق الثابت المأثور   ، وأهله هم الفرقة الناجية ، والطائفة المرحومة التي هي بكل خير فائزة ، ولكل مكرمة راجية ، من الشفاعة والورود على الحوض ، ورؤية الحق ، وغير ذلك من سلامة الصدر والإيمان بالقدر ، والتسليم لما جاءت به النصوص ، فمن المحال أن يكون الخالفون أعلم من السالفين ، كما يقوله بعض من لا تحقيق لديه ممن لا يقدر قدر السلف ، ولا عرف الله - تعالى - ولا رسوله ولا المؤمنين به حق المعرفة المأمور بها من أن طريقة السلف أسلم ، وطريقة الخلف أعلم وأحكم ، وهؤلاء إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ذلك بمنزلة الأميين ، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المعروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهور ، وقد كذبوا وأفكوا على طريقة السلف ، وضلوا في تصويب طريقة الخلف ، فجمعوا بين باطلين : الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم ، والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم . قال  الحافظ ابن رجب  في كتابه ( بيان فضل علم السلف على علم الخلف ) ما نصه : " ومن محدثات الأمور ما أحدثه  المعتزلة   ، ومن حذا حذوهم ، من الكلام في ذات الله - تعالى - وصفاته بأدلة العقول ، وهي أشد خطرا من الكلام في القدر ; لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله ، وهذا كلام في ذاته وصفاته ، وينقسم هؤلاء إلى قسمين : أحدهما من نفى كثيرا مما ورد به الكتاب والسنة ; لاستلزامه عنده التشبيه كنفي الرؤية والاستواء ، وهذا طريق  المعتزلة   والجهمية   ، وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم ، وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن ينتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين . والثاني من رام إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر ، ورد على أولئك [ ص: 26 ] مقالتهم ،  كالكرامية   ومن وافقهم ، حتى إن منهم من أثبت الجسم ، إما لفظا وإما معنى ، ومنهم من أثبت له - تعالى - صفات لم يأت بها الكتاب والسنة كالحركة ، وقد أنكر السلف على مقاتل رده على جهم بأدلة العقل ، وبالغوا في الطعن عليه ، والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت ، من غير تكييف ولا تمثيل ، ولا يصح عن أحد من السلف خلاف ذلك ألبتة ، خصوصا الإمام  أحمد  ، رضي الله عنه .  
ولا خوض في معانيها ، ولا ضرب مثل لها ، وإن كان بعض من كان قريبا من زمنه فيهم من فعل ذلك من ذلك ( ؟ ) اتباعا لطريقة   مقاتل بن سليمان  ، فلا يقتدى به في ذلك ، وإنما الاقتداء بأئمة الإسلام  كابن المبارك  ومالك والثوري   والأوزاعي   والشافعي  وأحمد  وإسحاق  ،  وأبي عبيد  ونحوهم - رضي الله عنهم - ، فكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام  المتكلمين   ، فضلا عن كلام  الفلاسفة   ، ولم يدخل ذلك في كلامه من سلم من قدح وجرح ، وقد قال   أبو زرعة الرازي     : كل من كان عنده علم فلم يصن علمه ، واحتاج في نشره إلى شيء من الكلام فلستم منه . وقال  الحافظ ابن رجب  أيضا : وفي زماننا تتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن   الشافعي  وأحمد  وإسحاق  وأبي عبيد  ، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم ، فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة ، وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من  الظاهرية   ونحوهم ، وهو أشد مخالفة لها ; لشذوذه عن الأمة ، وانفراده عنهم بفهم يفهمه ، أو بأخذ ما لم تأخذ به الأمة من قبله ، وأما الدخول مع ذلك في كلام  المتكلمين   والفلاسفة   فشر محض ، وقل من دخل في شيء من ذلك إلا وتلطخ ببعض أوضارهم ، كما قال الإمام  أحمد     - رضي الله عنه : لا يخلو من نظر في الكلام إلا تجهم .  
وكان هو وغيره يحذرون من أهل الكلام ، وإن ذبوا عن السنة ، وأما ما يوجد في كلام من أحب الكلام المحدث ، واتبع أهله من ذم من لا يتوسع في الخصومات والجدال ونسبته إلى الجهل أو الحشو ، أو إلى أنه غير عارف بالله أو بدينه ، فمن خطوات الشيطان ، نعوذ بالله منه . انتهى ملخصا .  
وفي الآداب  للعلامة ابن مفلح     - رحمه الله تعالى - عن   الطبراني  قال : حدثنا   عبد الله ابن الإمام أحمد  ، قال : حدثني أبي ، قال : قبور  أهل السنة   من أهل      [ ص: 27 ] الكبائر روضة ، وقبور أهل البدعة من الزنادقة حفرة . فساق  أهل السنة   أولياء الله ، وزهاد أهل البدعة أعداء الله     . وفي صحيح  مسلم  ، عن   زيد بن أرقم     - رضي الله عنه -  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تسمع ، ومن دعوة لا يستجاب لها     . وخرجه أهل السنن من وجوه متعددة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي بعضها : "  ومن دعاء لا يسمع     . وفي بعضها : "  أعوذ بك من هؤلاء الأربع     " . وأخرج  الترمذي  من حديث   أبي هريرة     - رضي الله عنه -  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني     " . ورواه   النسائي  من حديث  أنس     - رضي الله عنه - وزاد : "  وارزقني علما تنفعني به     " . ويأتي الكلام على هذا بأبسط من هذا في المقدمة ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					