( الثالثة ) :  أول بدعة ظهرت بدعة القدر   ، وبدعة الإرجاء ، وبدعة التشيع  والخوارج   ، وهذه البدع ظهرت في القرن الثاني ، والصحابة موجودون ، وقد أنكروا على أهلها كما سيأتي بيان ذلك ، ثم ظهرت بدعة الاعتزال ، ولم يزل المسلمون على النهج الأول ، ولزوم ظاهر السنة ، وما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - إلى أن حدثت الفتن بين المسلمين ، والبغي على أئمة الدين ، وظهر اختلاف الآراء ، والميل إلى البدع والأهواء ، وكثرت المسائل والواقعيات ، والرجوع إلى العلماء في المهمات ، فاشتغلوا بالنظر والاستدلال ، واستنباط النتائج ، وتمهيد القواعد ، وإنتاج القضايا والفوائد ، وأخذوا في      [ ص: 72 ] التبويب والتفصيل ، والترتيب والتأصيل ، فأسست فرقة  المعتزلة   قواعد الخلاف ، ونهجت منهج الانحراف ، وكان أول من اعتزل عن مجلس سيد التابعين   الحسن البصري   واصل بن عطاء  رئيس الطائفة  المعتزلة   ، قال  شيخ الإسلام ابن تيمية      : كان الناس في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق الملي ، وهو أول خلاف حدث في الملة ، هل هو كافر أو مؤمن ؟ فقالت  الخوارج      : إنه كافر ، وقالت الجماعة : إنه مؤمن ، وقالت طائفة : نقول إنه فاسق لا مؤمن ولا كافر ، منزلة بين منزلتين ، وخلدوه في النار ، فقال   الحسن البصري  رضي الله عنه : اعتزلوا عنا ، فاعتزلوا حلقة  الحسن  وأصحابه ، فسموا  معتزلة   ، وسموا هم أنفسهم أصحاب العدل والتوحيد ، لقولهم بوجوب ثواب المطيع ، وعقاب العاصي على الله تعالى ، ونفي الصفات القديمة عنه ، وقال بعض العلماء : وقف على مجلس   الحسن البصري  رجل ، فقال : يا إمام ، ظهر في هذا الزمان جماعة يكفرون صاحب الكبيرة - يعني بهم  الخوارج   ، وجماعة يقولون : لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة - يعني بهم المرجئة ، فما تعتقده من ذلك ؟ فأطرق الحسن مفكرا في الصواب ، فبادره   واصل بن عطاء  بالجواب ، فقال : أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، وقام إلى أسطوانة في المسجد ، يقرر مذهبه ويثبت المنزلة بين المنزلتين ، ويقول : الناس ثلاثة : مؤمن ، وكافر ، ولا مؤمن ولا كافر ، وهو صاحب الكبيرة ، إذا مات بلا توبة ، فقال له  الحسن     : اعتزل عنا  واصل  ، فسموا  المعتزلة   لذاك ، ورفيق  واصل  في الاعتزال وقرينه   عمرو بن عبيد المتكلم الزاهد  ، وكان من العلم والعمل والزهد والورع والديانة على جانب عظيم ، حتى إن   الحسن البصري  لما سئل عنه ، أجاب السائل : لقد سألت عن رجل كأن الملائكة أدبته ، وكأن الأنبياء ربته ، إن قام بأمر قعد به ، وإن قعد بأمر قام به ، وإن أمر بشيء كان ألزم الناس له ، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له ، ما رأيت ظاهرا أشبه بباطن ، ولا باطنا أشبه بظاهر منه ، انتهى ، ويروى أن  واصل   [ ص: 73 ] ابن عطاء  تكلم مرة بكلام ، فقال   عمرو بن عبيد     : لو بعث نبيا كان يتكلم بأحسن من هذا ؟ وفصاحة  واصل  مشهورة ، وكان يلثغ بالراء ، فكان يجتنبها حتى كأنها ليست من الحروف ، ثم خلفه  الجبائي  ، وكان  الأشعري     - إمام  الطائفة الأشعرية      - من أصحابه ، ثم فارقه لما ظهر له فساد مذهبه كما هو مشهور ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					