ثم جهز أبو بكر  الجيش ليقاتل من كفر من العرب ، فترك إعطاء الصدقات ، وارتد عن الإسلام  ، فقال له عمر   : كيف تقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله  " فقال أبو بكر :  والله ، لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، والذي نفس أبي بكر بيده لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه حتى آخذها ، قال عمر   : فلما رأيت شرح صدر أبي بكر  لقتالهم علمت أنه الحق ، فأمر أبو بكر  على الناس  خالد بن الوليد  ، وأمر  ثابت بن قيس بن شماس  على الناس الأنصار ، وجمع أمر الناس إلى  خالد بن الوليد  ، ثم أمرهم أن يسيروا وسار معهم مشيعا ، حتى نزل ذا القصة من المدينة  على بريد وأميال ، فضرب معسكره وعبأ جيشه ، ثم تقدم إلى  خالد بن الوليد  وقال : إذا عشيتم دارا من دور الناس فسمعتم أذانا للصلاة فأمسكوا عنها حتى تسألوهم ما الذي يعلمون ؟ وإن لم تسمعوا الأذان فشنوا الغارة واقتلوا وحرقوا ، ثم أمر  خالد بن الوليد  أن يصمد لطليحة  ، وهو على  [ ص: 166 ] ماء من مياه بني أسد  ، وكان  طليحة  يدعي النبوة ، وينسج للناس الأكاذيب والأباطيل ، ويزعم أن جبريل  يأتيه ، وكان يقول للناس : أيها الناس ، إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا ، واذكروا الله قعودا وقياما ، وجعل يعيب الصلاة ويقول : إن الصريح تحت الرغوة ، وكان أول ما ابتلي من الناس  طليحة  أنه أصلب هو وأصحابه العطش في منزلهم فيه ، فقال  طليحة  فيما شجع لهم من أباطيله : اركبوا علالا - يعني فرسا - واضربوا أميالا تجدوا قلالا ، ففعلوا فوجدوا ماء ، فافتتن الأعراب به ، ثم قال أبو بكر  لخالد بن الوليد :  لآتيك من ناحية خيبر  إن شاء الله فيمن بقي من المسلمين ، وأراد بذلك أبو بكر  أن يبلغ الخبر الناس بخروجه إليهم ، ثم ودع خالدا  ورجع إلى المدينة  ، ومضى خالد  بالناس ، وكانت بنو فزارة  وأسد  يقولون : والله لا نبايع أبا الفصيل - يعنون أبا بكر - وكانت طيء  على إسلامها ، لم تزل عنه مع  عدي بن حاتم  ، ومكنف بن زيد الخيل ،  فكانا يكالبانها ويقولان لبني فزارة   : والله لا نزال نقاتلكم إن شاء الله ، فلما قرب  خالد بن الوليد  من القوم وبعث عكاشة  [ ص: 167 ] بن محصن ،  وثابت بن أقرم   - أخا بني العجلان   - طليعة أمامه ، وخرج طليحة بن خويلد المتنبئ  وأخوه سلمة بن خويلد  أيضا طليعة لمن وراءهما ، فالتقيا عكاشة بن محصن  وثابت بن أقرم ،  فانفرد  طليحة  بعكاشة ،  وسلمة بن خويلد  بثابت ،  فأما سلمة  فلم يلبث ثابتا  أن قتله ، ثم صرخ  طليحة  وقال : يا سلمة ، أعني على الرجل فإنه قاتلي ، فاكتنفا عكاشة حتى قتلاه ، وكرا راجعين إلى من وراءهما ، فلما وصل خالد  والمسلمون إلى ثابت بن أقرم  وعكاشة بن محصن ،  وهما قتيلان ، عظم ذلك على المسلمين وراءهم ، ثم مضى خالد حتى نزل على طيء  في خللهم سلمى ، فضرب معسكره وانضم إليه من كان من المسلمين في تلك القبائل ، ثم تهيأ للقتال ، وسار إلى طليحة وهو على مائه ، والتقى معه  طليحة  في سبعمائة رجل من بني فزارة ،  فاقتتلوا قتالا شديدا ، وطليحة  متلفف في كساء له بفناء بيت له من شعر ، يتنبأ ويسجع ، فهز عيينة بن حصن  الحرب ، وشد القتال ثم كر على  طليحة  فقال : هل جاءك جبريل بعد ؟ قال : لا ، فرجع عيينة  وقاتل حتى إذا هزته الحرب كر عليه ثانيا وقال : لا أبا لك ، هل جاءك جبريل  بعد ؟ قال : نعم ، قال : فماذا قال لك ؟ قال : قال لي : إن لك  [ ص: 168 ] رحى كرحاه ، وحديثا لا تنساه ، قال عيينة :  أظن الله أنه قد علم أنه سيكون لك حديث لا تنساه يا بني فزارة  هكذا ، فانصرفوا فهذا والله كذاب ، فانصرف وانصرفت معه فزارة ، وانهزم الناس ، وكان طليحة قد أعد فرسا له عنده ، وهيأ بعيرا لامرأته النوار ، ثم اجتمعت إليه فزارة  وهم مبارزون ، فقالوا : ما تأمرنا ؟ فلما سمع منهم ذلك استوى على فرسه وحمل امرأته على البعير ، ثم نجا بها ، وقال لهم : من استطاع منكم أن يفعل كما فعلت وينجو بأهله فليفعل ، ثم سلك الحوشية حتى لحق بالشام ،  وانصرفت فزارة ،  وقتل منهم من قتل ، ثم دخلت القبائل في الإسلام على ما كانوا عليه من قبل . 
فلما فرغ خالد  من بيعتهم أوثق عيينة بن حصن  وقرة بن هبيرة بن سلمة ،  وبعث بهما إلى أبي بكر ،  فلما قدما عليه قال قرة :  يا خليفة رسول الله إني كنت مسلما ، وإن عند  عمرو بن العاص  من إسلامي شهادة ، قد مر بي فأكرمته وقربته ، وكان  عمرو بن العاص  هو الذي جاء بخبر الأعراب ، وذلك أن عمرا  كان على عمان ،  فلما أقبل راجعا إلى المدينة  مر بهوازن ،  وقد انتقضوا وفيهم سيدهم قرة بن هبيرة ،  فنزل عليه  عمرو بن العاص  فنحر له وأقراه وأكرمه ، فلما أراد عمرو  الرحيل خلى به قرة بن هبيرة  وقال : يا عمرو ، إنكم معشر قريش إن أنتم كففتم  [ ص: 169 ] عن أموال الناس وتركتموها لهم - يريد الصدقات - فقمن أن يسمع لكم الناس ويطيعوا ، فإن أنتم أبيتم إلا أخذ أموالهم فإني والله ما أرى العرب مقرة بذلك لكم ، ولا صابرة عليه حتى تنازعكم أمركم ويطلبوا ما في أيديكم ، فقال  عمرو بن العاص :  أبالعرب تخوفنا موعدك ؟ أقسم الله لأوطئنه عليك الخيل ، ثم مضى عمرو  حتى قدم المدينة  على أبي بكر  وأخبره الخبر قبل خروج خالد  إليهم ، فتجاوز أبو بكر  عن قرة بن هبيرة  وعيينة بن حصن  وحقن لهما دماءهما . 
				
						
						
