ثم إن بكر بن عبد مناة بن كنانة  خرجت على خزاعة ،  وهم على ماء لهم بأسفل مكة ،  فقاتلوا ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال للمسلمين : كأنكم بأبي سفيان  قد قدم لتجديد العهد بيننا ، وكان بديل بن ورقاء   [ ص: 38 ] بالمدينة ،  فخرج إلى مكة  راجعا ، فلما بلغ عسفان  لقيه أبو سفيان ،  وكانت قريش قد بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتجديد العهد ، فقال له أبو سفيان   : من أين أقبلت يا بديل ؟ قال : سرت إلى خزاعة   . قال : جزت بمحمد . قال : لا ، ثم خرج أبو سفيان  حتى قدم المدينة  ، فدخل على ابنته  أم حبيبة ،  فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ، فقال : يا بنيتي ، ما أدري أرغبت بهذا الفراش عني أم رغبت بي عنه ؟ قالت : هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، فلم أحب أن تجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج أبو سفيان  حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلمه فلم يرد عليه شيئا ، فذهب إلى أبي بكر  فكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 39 ] فقال : ما أنا بفاعل ، ثم خرج حتى أتى عمر  فكلمه ، فقال عمر   : أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم بهم ، ثم خرج أبو سفيان  حتى دخل على  علي بن أبي طالب  وعنده  فاطمة بنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وعندها الحسن  ابنها يدب ، فقال : يا علي  ، إنك أمس القوم بي رحما ، وأقربهم مني قرابة ، وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت ، اشفع لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ويحك يا  أبا سفيان ،  لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه ، فالتفت إلى  فاطمة  ، فقال : هل لك أن تأمري ابنك هذا أن يجير بين الناس ، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت : ما بلغ ذلك ابني أن يجير بين الناس . قال : يا أبا الحسن ، إني أرى الأمور قد اشتدت علي ، ما تنصح لي ؟ قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك ، ولكن قم فأجر بين الناس ، والحق بأرضك . قال  [ ص: 40 ] وترى ذلك يغني عني شيئا ؟ قال : والله ما أدري ؟ فقام أبو سفيان  في المسجد فقال : أيها الناس ، إني قد أجرت بين الناس ، ثم خرج ، فلما قدم على قريش مكة  قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمدا  فكلمته . قال : فوالله ما رد علي بشيء ، ثم جئت ابن أبي قحافة  فلم أجد فيه خيرا ، ثم جئت  ابن الخطاب  فوجدته أعدى العدو ، ثم جئت عليا  فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي برأي صنعته ، فوالله ما أدري هل يغنيني شيئا أم لا ؟ قالوا : وبماذا أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلت . قالوا : فهل أجاز محمد ذلك ؟ قال : لا . قالوا : ويحك والله إن زاد علي بن أبي طالب  على أن لعب بك ، والله ما يغني عنك ما فعلت ، ثم عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسير إلى مكة ،  وأمرهم بالجد ، والتهيؤ ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش  [ ص: 41 ] فلما صح ذلك منه ومن المسلمين ، كتب  حاطب بن أبي بلتعة  كتابا إلى قريش يخبر بالذي قد أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أعطاه امرأة من مزينة ،  وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت ، وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب ،   فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  علي بن أبي طالب ،   والزبير بن العوام ،  وقال : أدركا امرأة من مزينة  قد كتب معها حاطب  بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قدمنا عليه ، فخرجا حتى أدركاها بالحليفة فاستنزلا ، والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا ، فقال لها علي :  إني أحلف بالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كذب ، ولا كذبنا ، إما أن تخرجي الكتاب ، وإلا نكشفنك ، فلما رأت الجد قالت : أعرض عني ، فأعرض عنها علي ،  فحلت قرون رأسها واستخرجت الكتاب ، فدفعته إليه فجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا ،  فقال :  [ ص: 42 ] يا حاطب ، ما حملك على هذا ؟ قال : يا رسول الله ، والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة ، وكان لي بينهم أهل وولد ، فقال عمر :  دعني أضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع يوم بدر إلى أهل بدر  فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم   . 
				
						
						
