ولما ظهر هذا سألوا أئمة الإسلام مثل  جعفر الصادق  [1] وأمثاله ، فقالوا لجعفر [ الصادق ] [2]  : القرآن خالق أم مخلوق ؟  [3] فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله . ومعلوم أن قوله : " ليس بخالق ولا مخلوق " لم يرد به [ أنه ] [4] ليس بكاذب ولا مكذوب ، لكن أراد [ أنه ] [5] ليس هو الخالق للمخلوقات ، ولا هو من المخلوقات ولكنه كلام الخالق . 
وكذلك ما نقل عن  علي بن أبي طالب   - [ رضي الله عنه ] [6]  - لما قيل  [ ص: 252 ] له : حكمت مخلوقا ! ؟ قال : لم أحكم مخلوقا وإنما حكمت القرآن . 
وما رواه  ابن أبي حاتم  في " الرد على الجهمية   " [7]  . قال : " كتب إلي  حرب الكرماني  ، ثنا محمد بن المصفى  ، [8] ثنا عبد الله بن محمد  ، عن عمرو بن جميع  ، عن  ميمون بن مهران  ، عن  ابن عباس  قال : لما حكم  علي  الحكمين ، قالت الخوارج   : حكمت رجلين ؟ قال : ما حكمت مخلوقا ، إنما حكمت القرآن  . 
حدثنا الأشج  ، ثنا يحيى بن يمان  ، ثنا حسن بن صالح  ، عن عبد الله بن الحسن  ، قال : قال  علي  للحكمين : احكما بالقرآن كله ، فإنه كله لي  " . 
وقال  ابن أبي حاتم   : " ثنا أبي [9] ، ثنا الصهيبي  ابن عم علي بن عاصم  وعلي بن صالح  ، عن عمران بن حدير  [10] ، عن عكرمة  قال : كان ابن  [ ص: 253 ] عباس  في جنازة فسمع رجلا يقول : يا رب القرآن ارحمه . فقال  ابن عباس   : مه ، القرآن منه ، القرآن كلام الله وليس بمربوب ، منه خرج وإليه يعود  . 
حدثنا محمد بن عمار بن الحارث  ، ثنا أبو مروان الطبري  بمكة   - يعني الحكم بن محمد   - ثنا  سفيان بن عيينة  ، عن  عمرو بن دينار   : سمعت مشيختنا منذ سبعين سنة يقولون : القرآن كلام الله غير مخلوق   . وفي رواية : منه بدأ وإليه يعود  " . وهذا رواه [11] غير واحد عن [  سفيان ] [12] بن عيينة  عن عمرو  ، ورواه  البخاري  في كتاب " خلق أفعال العباد " [13]  . 
وقال  ابن أبي حاتم   : " ثنا أبي ، ثنا العباس بن عبد العظيم  ، ثنا رويم بن يزيد المقري  ، ثنا  عبد الله بن عباس  ، عن  يونس بن بكير  ، عن  جعفر بن محمد  ، عن أبيه قال : سئل  علي بن الحسين  عن القرآن ، فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الخالق  ، ورواه أبو زرعة  ، عن يحيى بن منصور  ، عن رويم  ، فذكره . 
وحدثنا [14] جعفر بن محمد بن هارون  ، ثنا عبد الرحمن بن مصعب  ، ثنا موسى بن داود الكوفي  عن رجل ، عن  جعفر بن محمد  ، عن أبيه أنه سأله : إن قوما يقولون : القرآن مخلوق ؟ فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله  . 
 [ ص: 254 ] حدثنا موسى بن سهل الرملي  ، ثنا  موسى بن داود  ، ثنا معبد أبو عبد الرحمن  عن معاوية [15] بن عمار الذهبي  ، قال : قلت لجعفر بن محمد   : إنهم يسألوني عن القرآن : مخلوق أو خالق ؟ فقال : إنه ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله  . 
وحدثنا أبو زرعة  ، ثنا  سويد بن سعيد  ، عن  معاوية  ، فذكره . 
وحدثنا أبي [16] ، قال : حدثنا الحسن بن الصباح  ، ثنا معبد  بمثله . 
حدثنا  عبد الله بن أحمد بن حنبل  فيما كتب إلي ، قال : قال أبي [17]  : وحدثت [18] عن  موسى بن داود  بهذا الحديث عن معبد  ، قال [19]  : رأيت معبدا  هذا ولم يكن به بأس ، وأثنى عليه [20] ثم قال : كان يفتي برأي  ابن أبي ليلى   . 
حدثنا عبد الله مولى المهلب بن أبي صفرة  ، ثنا علي بن أحمد بن علي بن جعفر بن محمد  ، عن أبيه ، عن جده ، عن أخيه موسى بن جعفر  ، قال : سئل أبي [  جعفر بن محمد   ] [21] عن القرآن : خالق أو مخلوق ؟ قال : لو كان خالقا لعبد ، ولو كان مخلوقا لنفد  " . 
ومثل هذه الآثار كثيرة عن الصحابة والتابعين والأئمة من أهل البيت [22]  [ ص: 255 ] وغيرهم .  فعلي   - [ رضي الله عنه ] [23]  - لم يرد بقوله : ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت القرآن ، أي : ما حكمت كلاما مفترى ; فإن الخوارج  إنما قالوا له : حكمت مخلوقا من الناس ! ؟ - وهما  أبو موسى   وعمرو بن العاص  [24]  - فقال : لم أحكم مخلوقا ، وإنما حكمت القرآن ، وهو كلام الله . 
فالحكم لله ، وهو سبحانه يصف كلامه بأنه يحكم ويقص [25]  [ ويفتي ] [26] ، كقوله : ( إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل   ) [ سورة النمل : 76 ] وكقوله [27]  : ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء   ) [ سورة النساء : 127 ] أي : وما يتلى عليكم يفتيكم فيهن . 
وقوله : ( وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه   ) [ سورة البقرة : 213 ) . 
وإذا أضيف الحكم والقصص والإفتاء [28] إلى القرآن - الذي هو كلام الله - فالله هو الذي [29] حكم به وأفتى به وقص به ، كما أضاف ذلك إلى نفسه في غير موضع . 
 [ ص: 256 ] فهذا هو مراد  علي [ بن أبي طالب   ] وجعفر [ بن محمد   ] وغيرهما [30] من أهل البيت - [ رضوان الله عليهم ] [31]  - وسائر سلف الأمة بلا ريب . فتبين أن هؤلاء الرافضة  مخالفون لأئمة أهل البيت وسائر السلف في مسألة القرآن  كما خالفوهم في غيرها . 
وأما قولهم : إنه مجعول ، فالله لم يصفه بأنه مجعول معدى إلى مفعول واحد ، بل قال : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا   ) [ سورة الزخرف : 3 ] ، فإذا قالوا : هو مجعول قرآنا عربيا ، فهذا حق . وأما قوله تعالى : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث   ) [ سورة الأنبياء : 2 ] ، فهذه الآية تدل على أن " الذكر " نوعان : محدث وغير محدث ، كما تقول : ما جاءني من رجل عدل إلا قبلت شهادته ، وصفة النكرة للتخصيص ، وعندهم كل ذلك محدث ، والمحدث في القرآن ليس هو المحدث في كلامهم ، فلم يوافقوا القرآن . 
ثم إذا قيل : هو محدث [32] ، لم يلزم من ذلك أن يكون مخلوقا بائنا [33] عن الله ، بل إذا تكلم الله به [34] بمشيئته وقدرته وهو قائم به ، جاز أن يقال : هو محدث ، وهو مع ذلك كلامه القائم بذاته وليس بمخلوق . 
وهذا قول كثير من أئمة السنة والحديث . وقد احتج  البخاري  وغيره على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله يحدث من أمره ما  [ ص: 257 ] يشاء [35] ، وإن مما أحدث أن لا تكلموا [36] في الصلاة  " [37]  . ومعلوم أن الذي أحدثه هو أمره أن لا يتكلموا في الصلاة ، لا عدم تكلمهم في الصلاة ، فإن ذلك يكون باختيارهم . ومنهم من تكلم بعد النهي ، لكن نهوا عن ذلك ، ولهذا قال : يحدث من أمره ما يشاء [38]  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					