والقول الثاني [1]  : أن الظلم ممكن مقدور ، [ وأنه ] [2] منزه عنه لا يفعله لعلمه وعدله ، فهو لا يحمل [ على ] [3] أحد ذنب غيره [4]  . [ قال تعالى ] : [5]  [ ولا تزر وازرة وزر أخرى   ] [ سورة الإسراء : 15 ] ، [ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما   ] [ سورة طه : 112 ] . 
وعلى هذا فعقوبة الإنسان بذنب غيره ظلم ينزه [6] الله عنه [7] ، وأما  [ ص: 310 ] إثابة المطيع ففضل منه وإحسان ، وإن كان حقا واجبا بحكم وعده باتفاق المسلمين ، وبما كتبه [8] على نفسه من الحرمة ، وبموجب أسمائه وصفاته . 
فليس هو من جنس ظلم الأجير الذي استؤجر ولم يوف أجره ، فإن هذا معاوضة [9] ، والمستأجر استوفى منفعته ، فإن [10] لم يوفه أجره ظلمه . 
والله تعالى هو المحسن إلى العباد بأمره ونهيه ، وبإقداره لهم على الطاعة ، وبإعانتهم على طاعته . وهم [11] كما قال تعالى في الحديث الصحيح الإلهي : " يا عبادي [ إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي ] [12] كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا [13] على أفجر قلب رجل [ منكم ] [14] ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، [ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص مما عندي إلا  [ ص: 311 ] كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ] [15] ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " [16]  . 
فبين [17] أن الخير الموجود من الثواب مما يحمد الله عليه لأنه المحسن به وبأسبابه ، وأما العقوبة فإنه [18] عادل فيها فلا يلومن العبد إلا نفسه ، كما قيل : كل نعمة منه فضل ، وكل نقمة منه عدل . 
[ وأصحاب هذا القول يقولون : الكتاب والسنة إنما تدل على هذا القول ، والله قد نزه نفسه في غير موضع عن الظلم الممكن المقدور ، مثل نقص الإنسان من حسناته ، وحمل سيئات غيره عليه . 
وأما خلق أفعال العباد  واختصاصه أهل الإيمان بإعانتهم على الطاعة فليس هذا من الظلم في شيء باتفاق أهل السنة والجماعة وسائر المثبتين للقدر من جميع الطوائف ، ولكن القدرية  تزعم أن ذلك ظلم ، وتتكلم في التعديل والتجوير [19] بكلام متناقض فاسد كما قد بين في موضعه ] [20]  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					