الثاني أن يقال : هذا القول المذكور ليس هو قول  الأشعري  ولا جمهور موافقيه ، إنما هو قول مثبتي الحال   [ منهم ] [1] الذين يقولون إن العالمية حال [2] معللة بالعلم ، فيجعلون العلم يوجبه حال آخر [3] ليس هو العلم بل هو [4] كونه عالما . وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب   والقاضي أبي يعلى  وأول قول أبي المعالي  [5]  . 
وأما جمهور مثبتة الصفات  فيقولون [6]  : إن العلم هو كونه عالما ، ويقولون : لا يكون عالما إلا بعلم ولا قادرا إلا بقدرة ، أي يمتنع أن يكون عالما من لا علم له ، وأن يكون قادرا من لا قدرة له ، وأن يكون حيا من لا حياة له . 
[ وعندهم علمه هو كونه عالما ، وقدرته هو كونه قادرا ، وحياته هو كونه حيا ، وهذا في الحقيقة قول أبي الحسين البصري  وغيره من حذاق المعتزلة   ] [7]  . 
ولا ريب أن هذا معلوم ضرورة ، فإن وجود اسم الفاعل بدون مسمى  [ ص: 487 ] المصدر ممتنع ، وهذا كما لو قيل : مصل بلا صلاة ، وصائم بلا صيام ، وناطق بلا نطق . 
فإذا قيل : لا يكون ناطق إلا بنطق [8] ، ولا مصل إلا بصلاة ، لم يكن المراد أن هنا شيئين [9]  : أحدهما الصلاة ، والثاني حال معلل بالصلاة ، بل المصلي لا بد أن يكون له صلاة . 
وهم أنكروا قول نفاة الصفات  الذين يقولون : هو حي لا حياة له ، وعالم لا علم له ، وقادر لا قدرة له . 
فمن قال : هو حي عليم قدير بذاته ، وأراد بذلك أن ذاته مستلزمة لحياته وعلمه وقدرته لا يحتاج في ذلك إلى غيره ، فهذا قول مثبتة الصفات ، ( 3 وإن أراد بذلك أن ذاته مجردة ليس لها حياة ولا علم ولا قدرة فهذا هو القول 3 ) [10] المنكر من [11] أقوال نفاة الصفات . 
وهذا الكلام الذي قاله هذا قد [12] سبقه إليه المعتزلة  ، وهذا اللفظ وجدته في كلام أبي الحسين [13] البصري  ، ومع هذا من تدبر كلام أبي الحسين  [14] وأمثاله وجده مضطرا إلى إثبات الصفات ، وأنه لا يمكنه أن يفرق بين قوله وبين قول المثبتين بفرق محقق ، فإنه يثبت كونه حيا وكونه عالما وكونه قادرا ، ولا يجعل هذا هو هذا ، ولا هذا هو هذا ، ولا هذه الأمور  [ ص: 488 ] هي الذات [15] ، فقد أثبت هذه المعاني الزائدة على الذات المجردة ، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					