( فصل ) قال [ الرافضي ] [1]  : " ومنها تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعته  [2] ، ويثيب إبليس على معصيته ، لأنه يفعل لا لغرض ، فيكون فاعل الطاعة سفيها لأنه يتعجل بالتعب في الاجتهاد في العبادة ، وإخراج ماله في عمارة المساجد والربط والصدقات ، من غير نفع يحصل له ، لأنه قد يعاقبه على ذلك ، ولو فعل عوض ذلك ما يلتذ به ويشتهيه من أنواع المعاصي قد يثيبه ، فاختيار الأول يكون [3] سفها عند كل عاقل . والمصير إلى المذهب يؤدي إلى خراب العالم واضطراب أمور الشريعة [4] المحمدية وغيرها " [5]  . 
والجواب [6] من [7] وجوه : أحدها [8]  : أن هذا الذي قاله باطل باتفاق  [ ص: 87 ] المسلمين ، فلم يقل أحد منهم أن الله قد يعذب أنبياءه  [9] ولا أنه قد يقع منه عذاب أنبيائه ، بل هم متفقون على أنه يثيبهم لا محالة [10]  [ لا يقع منه غير ذلك ] [11] ، لأنه وعد بذلك وأخبر به ، وهو صادق الميعاد ، وعلم ذلك بالضرورة . 
ثم من [12] متكلمة أهل السنة المثبتين للقدر من يقول : إنما علم ذلك بمجرد خبره الصادق [13] ، وهي الدلالة السمعية المجردة . 
ومنهم من يقول : بل قد يعلم ذلك بغير الخبر ويعلم بأدلة عقلية . وإن كان الشارع قد نبه عليها وأرشد إليها ، كما إذا علمت حكمته ورحمته وعدله علم أن ذلك يستلزم إكرام من هو متصف بالصفات المناسبة لذلك ، [ كما ] قالت :  خديجة   [ رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ] قبل [14] أن تعلم أنه نبي : والله لا يخزيك الله أبدا [15] ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق [16]  . 
 [ ص: 88 ] وقد قال الله تعالى : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون   [ سورة الجاثية : 21 ] وهذا استفهام إنكار [17] يقتضي الإنكار على من يحسب [18] ذلك ويظنه ، وإنما ينكر على من ظن أو حسب [19] ما هو خطأ باطل يعلم بطلانه ، لا من ظن ظنا ما [20] ليس بخطأ ولا باطل . 
فعلم أن التسوية بين أهل الطاعة [ وبين ] أهل [21] المعصية  مما يعلم بطلانه ، وأن ذلك من الحكم السيئ [22] الذي ينزه الله عنه . 
ومثله قوله تعالى [23]  : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار   [ سورة ص : 28 ] ، وقوله تعالى [24]  : أفنجعل المسلمين كالمجرمين  ما لكم كيف تحكمون   [ سورة القلم : 35 ، 36 ] ، وفي الجملة التسوية [25] بين الأبرار  [ ص: 89 ] والفجار ، والمحسنين والظالمين وأهل الطاعة ، وأهل المعصية حكم باطل يجب تنزيه الله عنه ، فإنه ينافي عدله وحكمته  [26] وهو سبحانه كما ينكر التسوية بين المختلفات [27] فهو يسوي بين المتماثلات ، كقوله سبحانه وتعالى : أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر   [ سورة القمر : 43 ] ، وقوله : كدأب آل فرعون والذين من قبلهم  الآية [ سورة آل عمران : 11 ] ، وقوله : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب   [ سورة يوسف : 111 ] ، وقوله : فاعتبروا ياأولي الأبصار   [ سورة الحشر : 2 ] ، وقوله : ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم   [ سورة النور : 43 ] ، وقوله : وتلك الأمثال نضربها للناس   [ سورة العنكبوت : 43 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					