وأما الصلاة في جلد الكلب ، فإنما يجوز ذلك أبو حنيفة إذا كان [1] . مدبوغا . وهذا قول طائفة من العلماء ، ليس هذا [2] من مفاريده ، وحجتهم [3] قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما إهاب دبغ فقد طهر " . [4] وهذه مسألة اجتهاد وليست هذه من مسائل الشناعات [5] ولو قيل [ ص: 428 ] : لهذا المنكر : هات دليلا قاطعا قاطعا : [6] على تحريم ذلك ، لم يجده ، بل لو طولب بدليل على تحريم الكلب ليرد به على مالك في إحدى الروايتين [ عنه فإنه يكرهه ولا يحرمه ] [7] لم يكن هذا الرد من صناعته ، مع أن الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أن جلد الكلب - بل وسائر السباع - لا يطهر بالدباغ .
لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ من وجوه متعددة ] [8] أنه نهى عن جلود السباع [9] وقوله - صلى الله عليه وسلم - [10] : " أيما إهاب دبغ فقد طهر " ضعفه أحمد وغيره [ من أئمة الحديث ] [11] وقد رواه مسلم .
[12] [ ص: 429 ] وكذلك تحريم الكلب دلت عليه أدلة شرعية ، لكن هؤلاء الإمامية تعجز عن إقامة دليل يردون به على مالك في إحدى الروايتين [13]
وأما الصلاة على العذرة اليابسة بلا حائل ، فليس هذا مذهب أبي حنيفة ولا أحد من الأئمة الأربعة ، ولكن إذا أصابت الأرض نجاسة ، فذهبت بالشمس أو الريح أو الاستحالة ، فمذهب الأكثرين [14] . طهارة الأرض وجواز الصلاة عليها [15] . هذا مذهب أبي حنيفة ، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد ، وهو القول القديم للشافعي . وهذا القول أظهر من قول من لا يطهرها بذلك .
وأما ما ذكره من صفة [16] الصلاة التي يجيزها أبو حنيفة وفعلها عند بعض الملوك حتى رجع عن مذهبه ، فليس بحجة على فساد مذهب أهل السنة ; لأن أهل السنة يقولون : إن الحق لا يخرج عنهم ، لا يقولون : إنه لم يخطئ [17] أحد منهم .
وهذه الصلاة ينكرها جمهور أهل السنة ، كمذهب مالك [18] والشافعي وأحمد . والملك الذي ذكره هو محمود بن سبكتكين ، وإنما رجع إلى ما ظهر عنده أنه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من خيار الملوك [ ص: 430 ] وأعدلهم [19] وكان من أشد الناس قياما على أهل البدع لا سيما الرافضة ، فإنه كان قد أمر بلعنتهم ولعنة [20] أمثالهم في بلاده ، وكان الحاكم العبيدي بمصر كتب إليه يدعوه فأحرق كتابه على رأس رسوله ، ونصر أهل السنة نصرا معروفا عنه .
[21]


