( فصل ) [1]  . 
قال الرافضي [2]  : " وكان ولده [3] محمد بن علي الجواد   [4] على منهاج أبيه في العلم والتقى والجود [5] ، ولما مات أبوه الرضا  شغف بحبه  المأمون  [6] ، لكثرة علمه ودينه ووفور عقله مع صغر سنه ، وأراد  [ ص: 67 ] أن يزوجه ابنته أم الفضل  ، وكان قد زوج أباه الرضا   [ عليه السلام ] [7] بابنته أم حبيب  [8] ، فغلظ ذلك على العباسيين  واستنكروه [9] وخافوا أن يخرج الأمر منهم [10] ، وأن يبايعه كما بايع أباه ، فاجتمع الأدنون منهم [11] وسألوه ترك ذلك ، وقالوا : إنه صغير السن [12] لا علم عنده ، فقال : أنا أعرف [ منكم ] به [13] ، فإن شئتم فامتحنوه ، فرضوا بذلك ، وجعلوا للقاضي يحيى بن أكثم  مالا كثيرا على امتحانه [14] في مسألة يعجزه فيها ، فتواعدوا إلى يوم ، وأحضره [15]  المأمون  ، وحضر القاضي وجماعة العباسيين  ، فقال القاضي : أسألك عن شيء ؟ فقال له عليه السلام [16]  : سل [17]  . 
 [ ص: 68 ] فقال : ما تقول في محرم قتل صيدا ؟ فقال له عليه السلام [18] قتله في حل أو حرم ، عالما كان أو جاهلا [19] ، مبتدئا بقتله أو عائدا ، من صغار الصيد كان أم من كبارها [20] ، عبدا كان المحرم أو حرا ، صغيرا كان أو كبيرا ، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها ؟ فتحير  يحيى بن أكثم  ، وبان العجز في وجهه ، حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره ، فقال [21]  المأمون  لأهل بيته : عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ، ثم أقبل الإمام فقال [22]  : أتخطب ؟ قال : نعم . فقال : اخطب لنفسك خطبة النكاح ، فخطب وعقد على خمسمائة درهم جيادا [23] كمهر [ جدته ]  فاطمة  [24] عليها السلام ، ثم تزوج بها " . 
والجواب أن يقال : إن [25] محمد بن علي الجواد  كان من أعيان بني هاشم  ، وهو معروف بالسخاء والسؤدد . ولهذا سمي الجواد  ، ومات وهو شاب ابن خمس وعشرين سنة . ولد سنة خمس وتسعين ومات سنة عشرين أو سنة  [ ص: 69 ] تسع عشرة ، وكان  المأمون  زوجه بابنته ، وكان يرسل إليه في السنة ألف ألف درهم ، واستقدمه  المعتصم  [26] إلى بغداد  ، ومات بها [27]  . 
وأما ما ذكره فإنه من نمط ما قبله ، فإن الرافضة  ليس لهم عقل صريح ولا نقل صحيح ، ولا يقيمون حقا ، ولا يهدمون باطلا ، لا بحجة وبيان [28] ، ولا بيد وسنان [29] ، فإنه ليس فيما ذكره [30] ما يثبت فضيلة [31] محمد بن علي  ، فضلا عن ثبوت إمامته ، فإن هذه الحكاية التي حكاها عن  يحيى بن أكثم  [32] من الأكاذيب التي لا يفرح بها إلا الجهال [33] ، ويحيى بن أكثم  كان [34] أفقه [ وأعلم ] [35] وأفضل من أن يطلب تعجيز شخص بأن يسأله عن محرم قتل صيدا ، فإن صغار [36] الفقهاء يعلمون حكم هذه المسألة ، فليست من دقائق العلم ولا غرائبه ، ولا مما يختص به المبرزون في العلم . 
ثم مجرد ما ذكره ليس فيه إلا تقسيم أحوال القاتل ، ليس فيه بيان حكم هذه الأقسام ، [ ومجرد التقسيم لا يقتضي العلم بأحكام الأقسام ] [37] وإنما  [ ص: 70 ] يدل - إن دل - على حسن السؤال ، وليس كل من سئل أحسن أن يجيب . ثم إن كان ذكر الأقسام الممكنة واجبا ، فلم يستوف الأقسام ، وإن لم يكن واجبا فلا حاجة إلى ذكر بعضها ، فإنه [38] من جملة الأقسام أن يقال : متعمدا كان أو مخطئا ؟ . 
وهذا التقسيم أحق بالذكر من قوله : " عالما كان أو جاهلا " فإن الفرق بين المتعمد والمخطئ ثابت في الإثم [39] باتفاق الناس ، وفي لزوم الجزاء في الخطأ نزاع مشهور  ، فقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن المخطئ لا جزاء عليه ، وهي [40] إحدى الروايتين عن  أحمد   . 
قالوا لأن الله تعالى قال : ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم   ) الآية [ سورة المائدة : 95 ] ، فخص المتعمد بإيجاب [41] الجزاء ، وهذا يقتضي أن المخطئ لا جزاء عليه ، لأن الأصل براءة ذمته ، والنص إنما أوجب [42] على المتعمد ، فبقي المخطئ على الأصل ، ولأن تخصيص الحكم بالمتعمد يقتضي انتقاءه عن المخطئ فإن هذا مفهوم صفة في سياق الشرط ، وقد ذكر الخاص بعد العام ، فإنه إذا كان الحكم يعم النوعين كان قوله : ( ومن قتله منكم   ) يبين [43] الحكم مع الإيجاز ، فإذا  [ ص: 71 ] قال : ( ومن قتله منكم متعمدا   ) فزاد اللفظ ونقص المعنى كان هذا مما يصان عنه كلام أدنى الناس حكمة ، فكيف بكلام الله الذي هو خير الكلام وأفضله ، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ؟ ! . 
والجمهور القائلون بوجوب الجزاء على المخطئ يثبتون ذلك بعموم السنة والآثار ، وبالقياس على قتل الخطأ في الآدمي ، ويقولون : إنما خص الله المتعمد [44] بالذكر ، لأنه ذكر من الأحكام ما يختص به المتعمد [45] وهو الوعيد بقوله [46]  : ( ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه   ) ، [ سورة المائدة : 95 ] ، فلما ذكر الجزاء والانتقام ، كان المجموع مختصا بالمتعمد ، وإذا كان المجموع مختصا بالمتعمد [47] ، لم يلزم ألا يثبت [48] بعضه مع عدم العمد [49]  . 
مثل هذا قوله : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا   ) [ سورة النساء : 101 ] فإنه أراد بالقصر قصر العدد وقصر الأركان ، وهذا القصر الجامع للنوعين متعلق بالسفر والخوف ، ولا يلزم من الاختصاص المجموع  [ ص: 72 ] بالأمرين [50] أن لا يثبت أحدهما مع أحد الأمرين ، ولهذا نظائر . 
وكذلك [51] كان ينبغي له [52] أن يسأله : أقتله وهو ذاكر لإحرامه أو ناس [53] ؟ فإن في الناسي من النزاع [54] أعظم مما في الجاهل . ويسأله : أقتله [55] لكونه صال عليه ؟ أو لكونه اضطر إليه لمخمصة [56] ؟ أو قتله اعتباطا [57] بلا سبب ؟ . 
وأيضا فإن [ في ] [58] هذه التقاسيم ما يبين جهل السائل [59] ، وقد نزه الله من يكون إماما معصوما عن هذا الجهل ، وهو قوله : أفي حل قتله أم في حرم ؟ فإن المحرم إذا قتل الصيد وجب عليه الجزاء ، سواء قتله في الحل أو في الحرم  [60] باتفاق المسلمين ، والصيد الحرمي يحرم قتله على المحل والمحرم ، فإذا كان محرما وقتل صيدا حرميا توكدت الحرمة ، لكن الجزاء واحد . 
وأما قوله : " مبتدئا أو عائدا " فإن هذا فرق ضعيف لم يذهب إليه إلا شاذ من أهل [61] العلم . 
 [ ص: 73 ] وأما الجماهير فعلى أن الجزاء يجب على المبتدئ وعلى العائد . وقوله في القرآن : ( ومن عاد فينتقم الله منه   ) ، قيل : إن المراد من عاد إلى ذلك في الإسلام ، بعدما عفا الله عنه في الجاهلية وقبل نزول هذه الآية . 
كما قال : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف   ) [ سورة النساء : 22 ] . 
وقوله : ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف   ) [ سورة النساء : 23 ] وقوله : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف   ) [ سورة الأنفال : 38 ] . 
يدل على ذلك أنه لو كان المراد به : عفا الله عن أول مرة ، لما أوجب عليه جزاء ولا انتقم منه ، وقد أوجب عليه الجزاء أول مرة ، وقال : ( ليذوق وبال أمره   ) [ سورة المائدة : 95 ] فمن أذاقه الله وبال أمره ، كيف يكون قد عفا عنه ؟ . 
وأيضا فقوله : ( عما سلف   ) لفظ عام ، واللفظ العام المجرد عن قرائن التخصيص ، لا يراد به [62] مرة واحدة ، فإن هذا ليس من لغة العرب . ولو قدر أن المراد بالآية : عفا الله عن أول مرة ، وأن قوله : ( ومن عاد ) يراد به العود إلى القتل ، فإن انتقام الله منه إذا عاد لا يسقط الجزاء عنه ، فإن تغليظ الذنب لا يسقط الواجب [63] كمن قتل نفسا بعد نفس [64] لا يسقط ذلك عنه قودا [65] ولا دية ولا كفارة . 
 [ ص: 74 ] وقوله : " إن مهر  فاطمة  كان [66] خمسمائة درهم " لا يثبت [67] وإنما الثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت [68] امرأة من بناته أكثر من خمسمائة درهم  : اثنتي عشرة أوقية ونش ، والنش هو النصف ، وهذا معروف عن  عمر  وغيره [69]  . لكن  أم حبيبة  زوجه بها  النجاشي  ، فزاد الصداق من عنده [70]  . وسواء كان هذا ثابتا أو لم يكن [71] ثابتا فتحري تخفيف [72] الصداق سنة . ولهذا استحب العلماء أن لا يزاد على  [ ص: 75 ] صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنسائه وبناته . وقد روي أن  عليا  أصدق  فاطمة  درعه  . وبكل حال فليس في هذا ما يدل على فضيلة واحد من الأمراء [73] فضلا عن إمامته ، وإن كانت لهم [74] فضائل ثابتة بدون هذا [75]  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					