الوجه السابع : أن يقال : الكلام في ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر  ، وفي الدعاء لسلطان الوقت ، ونحو ذلك : إذا تكلم في ذلك العلماء أهل العلم والدين ، الذين يتكلمون بموجب [1] الأدلة الشرعية ، كان كلامهم في ذلك مقبولا ، وكان للمصيب منهم أجران ، وللمخطئ أجر على ما فعله من الخير ، وخطؤه مغفور له ، وأما إذا أخذ يعيب ذلك من يعوض عنه بما هو شر منه ، كطائفة ابن التومرت  الذي كان يدعى فيه أنه المهدي المعلوم ، والإمام المعصوم ، إذا ذكروه باسمه على المنبر ، ووصفوه بالصفات التي تعلم أنها باطلة ، وجعلوا حزبه هم خواص أمة محمد   - صلى الله عليه وسلم - ، وتركوا مع ذلك ذكر  أبي بكر   وعمر   وعثمان   وعلي  الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين [2] الذين ثبت بالكتاب [3] والسنة وإجماع السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان [4] أنهم خير هذه الأمة وأفضلها ، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون في زمن أفضل القرون ، ثم أخذ هؤلاء التومرتية  ينتصرون لذلك بأن ذكر الخلفاء الأربعة ليس سنة بل بدعة - كان هذا القول مردودا عليهم غاية الرد مع ذكرهم لإمامهم [5] ابن  [ ص: 168 ] التومرت  بعد موته ، فإنه لا يشك من يؤمن بالله واليوم الآخر أن  أبا بكر   وعمر   وعثمان   وعليا   - رضي الله عنهم - خير منه وأفضل منه ، وأن اتباعهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيامهم بأمره أكمل [6] ، بل ذكر غير واحد من خلفاء بني أمية  [7] وبني العباس  أولى من ذكر هذا الملقب بالمهدي ، فإن خلافة أولئك خير من خلافته ، وقيامهم بالإسلام خير من قيامه ، وظهورهم بمشارق الأرض ومغاربها أعظم من ظهوره ، وما فعلوه من الخير أعظم مما فعله هو ، وفعل هو [8] من الكذب والظلم والجهل والشر ما لم يفعله أولئك ، فكيف يكون هو المهدي دونهم ؟ أم كيف يكون ذكره والثناء عليه في الخطبة مشروعا [9] دون ذكرهم ، فكيف ينكر ذكر أولئك من يذكر مثل هذا ؟ . 
وأعظم من ذلك إنكار [ هؤلاء ] [10] الإمامية  الذين ينكرون ذكر الخلفاء الراشدين ، ويذكرون اثنى عشر رجلا   : كل واحد من الثلاثة خير من أفضل الاثنى عشر ، وأكمل خلافة وإمامة . وأما سائر الاثنى عشر ، فهم أصناف : منهم من هو من الصحابة المشهود لهم بالجنة ،  كالحسن   والحسين  ، وقد شركهم في ذلك من الصحابة المشهود لهم بالجنة خلق كثير [11] وفي السابقين الأولين من هو أفضل منهما ، مثل أهل بدر    . وهما رضي الله  [ ص: 169 ] عنهما [12] وإن كانا سيدا شباب أهل الجنة  فأبو بكر   وعمر  سيدا كهول أهل الجنة ، وهذا الصنف أكمل [13] من ذلك [14] الصنف . وإذا قال القائل : هما ولد بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قيل  وعلي [ بن أبي طالب   ] أفضل [15] منهما باتفاق أهل السنة والشيعة ، وليس هو ولد بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإبراهيم ابن النبي   - صلى الله عليه وسلم - أقرب إليه منهما ، وليس هو أفضل من السابقين الأولين ، وكذا  أمامة [16] بنت أبي العاص  بنت بنته ، وكان  لعثمان  ولد من بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - . 
وإذا قيل : [  علي   ] [17] هو ابن عمه . 
قيل : في أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني عمه جماعة [18] مؤمنون صحبوه :  كحمزة   والعباس  وعبد الله  [19]  والفضل ابني العباس  ، وكربيعة بن الحارث بن عبد المطلب   .  وحمزة  أفضل من  العباس  ،  وعلي  وجعفر  أفضل من غيرهما ،  وعلي  أفضل من  العباس  ، فعلم أن الفضل بالإيمان والتقوى لا بالنسب   . وفي الاثنى عشر من هو مشهور بالعلم  [ ص: 170 ] والدين ،  كعلي بن الحسين  ، وابنه أبي جعفر  ، وابنه  جعفر بن محمد  ، وهؤلاء لهم حكم أمثالهم . ففي الأمة خلق كثير مثل هؤلاء وأفضل منهم ، وفيهم المنتظر ولا وجود له أو مفقود [20] لا منفعة [ لهم ] [21] فيه ، فهذا ليس في اتباع إلا شر [ محض ] [22] بلا خير . 
وأما سائرهم ففي بني هاشم  من العلويين  والعباسيين  جماعات مثلهم في العلم والدين ، ومن هو أعلم وأدين منهم ، فكيف يجوز أن يعيب ذكر الخلفاء الراشدين ، الذين ليس في الإسلام أفضل منهم ، من يعوض بذكر قوم في المسلمين خلق كثير أفضل منهم ؟ وقد انتفع المسلمون في دينهم ودنياهم بخلق كثير أضعاف أضعاف ما انتفعوا بهؤلاء ، مع أن الذين يذكرونهم قصدهم معاداة سائر المسلمين ، والاستعانة على ذلك بالكفار والمنافقين [23] ، وإطفاء ما بعث الله به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق ، الذي وعد الله أن يظهره على الدين كله ، وفتح باب الزندقة والنفاق لمن يريد إفساد الملة [24]  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					