ثم إن هؤلاء الذين طلبوا ذلك من  علي  كانوا متدينين به مصرين عليه ، إلى أن خرجوا على  علي  وقاتلهم على ذلك . وذلك الذي طلب استرقاق فاطمة بنت الحسين  واحد 
[1] مجهول لا شوكة له ولا حجة ، ولا فعل هذا تدينا ، ولما منعه سلطانه من ذلك امتنع ، فكان 
[2] المستحلون لدماء المؤمنين 
[3] وحرمهم وأموالهم وحرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عسكر  علي  أعظم منهم في بني أمية  ، وهذا متفق عليه بين الناس ; فإن الخوارج  الذين مرقوا من عسكر  علي   - رضي الله عنه - هم شر من شرار عسكر  معاوية    - رضي الله عنه - . ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم وأجمع الصحابة والعلماء على قتالهم . 
والرافضة  أكذب منهم وأظلم وأجهل ، وأقرب إلى الكفر والنفاق ، [ لكنهم ] أعجز 
[4] منهم وأذل ، وكلا الطائفتين من عسكر  علي   . وبهذا  [ ص: 357 ] وأمثاله ضعف  علي  وعجز عن مقاومة من كان بإزائه . 
والمقصود هنا أن ما يذكرونه من القدح في  طلحة   والزبير  ينقلب بما 
[5] هو أعظم منه في حق  علي   . فإن أجابوا عن ذلك بأن  عليا  كان مجتهدا فيما فعل ، وأنه أولى بالحق من  طلحة   والزبير   . 
قيل : نعم ،  وطلحة  
[6]  والزبير  كانا مجتهدين ،  وعلي   - وإن كان أفضل منهما - لكن لم يبلغ فعلهما  بعائشة   - رضي الله عنها - ما بلغ فعل  علي  ،  فعلي  
[7] أعظم قدرا منهما ، ولكن إن كان فعل  طلحة   والزبير  معها ذنبا ، ففعل  علي  أعظم ذنبا ، فتقاوم 
[8] كبر القدر وعظم الذنب . 
فإن قالوا : هما أحوجا  عليا  إلى ذلك 
[9] ، لأنهما أتيا بها ، فما فعله  علي  مضاف إليهما لا إلى  علي   . 
قيل : وهكذا  معاوية  لما قيل له : قد قتل  عمار  
[10] ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " تقتلك الفئة الباغية  " 
[11] قال : أو نحن قتلناه ؟ إنما قتله الذين جاءوا به حتى جعلوه تحت سيوفنا . فإن كانت هذه الحجة مردودة ، فحجة من احتج بأن  طلحة   والزبير  هما 
[12] فعلا  بعائشة  ما جرى  [ ص: 358 ] عليها من إهانة عسكر  علي  لها ، واستيلائهم [ عليها ] [13]  - مردودة أيضا . وإن قبلت هذه الحجة قبلت حجة  معاوية   - رضي الله عنه - . 
والرافضة  وأمثالهم من أهل الجهل والظلم يحتجون بالحجة التي تستلزم فساد قولهم وتناقضهم ; فإنه إن احتج بنظيرها [ عليهم فسد قولهم المنقوض بنظيرها ، وإن لم يحتج بنظيرها ] 
[14] بطلت هي في نفسها ، لأنه لا بد من التسوية بين المتماثلين ، ولكن منتهاهم مجرد الهوى الذي لا علم معه ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين . 
وجماهير أهل السنة متفقون على أن  عليا  أفضل من  طلحة   والزبير   ، فضلا عن  معاوية  وغيره . ويقولون : 
[15] إن المسلمين لما افترقوا في خلافته فطائفة قاتلته وطائفة قاتلت 
[16] معه ، كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحق ، كما ثبت في الصحيحين 
[17] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق  " 
[18]  . هؤلاء هم الخوارج  المارقون الذين مرقوا فقتلهم  علي  وأصحابه ، فعلم أنهم كانوا أولى بالحق من  معاوية   - رضي الله عنه - وأصحابه . لكن أهل السنة يتكلمون بعلم وعدل ، ويعطون كل ذي حق حقه   . 
				
						
						
