[ ص: 427 ] فصل . 
وأما قول الرافضي : " وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة  
[1] واحدة من الوحي " . 
* فهذا قول بلا حجة ولا علم [2] ، فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة 
[3] واحدة من الوحي * 
[4] ، وإنما كان يكتب له رسائل ؟ . 
وقوله : " إن كتاب الوحي كانوا بضعة عشر أخصهم وأقربهم إليه  علي    " . 
فلا ريب [5] أن  عليا  كان ممن يكتب له أيضا ، كما كتب الصلح بينه وبين المشركين عام الحديبية   . ولكن كان يكتب له  أبو بكر   وعمر  أيضا ، ويكتب له  زيد بن ثابت   [ بلا ريب ] 
[6]  . 
ففي الصحيحين أن  زيد بن ثابت  لما نزلت : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين   ) سورة النساء كتبها [ له ] 
[7]  . وكتب له  أبو بكر  ،  وعمر  ،  [ ص: 428 ]  وعثمان  ،  وعلي  ، وعامر بن فهيرة  ، وعبد الله بن الأرقم  
[8] ،  وأبي بن كعب  ،  وثابت بن قيس  ،  وخالد بن سعيد بن العاص  ، وحنظلة بن الربيع الأسدي  ،  وزيد بن ثابت  ،  ومعاوية  ، وشرحبيل بن حسنة   - رضي الله عنهم - [9]  . 
وأما قوله : " إن  معاوية  لم يزل مشركا مدة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - مبعوثا   " . 
فيقال : لا ريب أن  معاوية  [10] وأباه وأخاه وغيرهم أسلموا عام فتح مكة  ، قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو من ثلاث سنين ، فكيف يكون مشركا مدة المبعث 
[11]  .  ومعاوية   - رضي الله عنه - كان حين بعث 
[12] النبي - صلى الله عليه وسلم - صغيرا ، كانت هند  ترقصه .  ومعاوية   - رضي الله عنه - أسلم مع مسلمة الفتح ، مثل أخيه [ يزيد  ،  وسهيل بن عمرو  ، ] 
[13]  وصفوان [ بن أمية   ] 
[14] ،  وعكرمة [ بن أبي جهل ]  ،  وأبي سفيان [ بن حرب ]  ،  [ ص: 429 ] وهؤلاء 
[15] كانوا قبل إسلامهم أعظم كفرا ومحاربة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من  معاوية   . 
فصفوان  وعكرمة   وأبو سفيان  كانوا مقدمين للكفار يوم أحد ، رءوس الأحزاب في غزوة الخندق  ، ومع هذا كان  أبو سفيان  وصفوان  
[16] وعكرمة  من أحسن الناس إسلاما ، واستشهدوا - رضي الله عنهم - يوم اليرموك   . 
 ومعاوية  لم يعرف عنه 
[17] قبل الإسلام أذى للنبي - صلى الله عليه وسلم - 
[18] لا بيد ولا بلسان ، فإذا كان من هو أعظم معاداة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من  معاوية  قد حسن إسلامه ، وصار ممن يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فما المانع أن يكون  معاوية   - رضي الله عنه - كذلك ؟ . 
وكان من أحسن الناس سيرة في ولايته ، وهو ممن حسن إسلامه ، ولولا محاربته  لعلي   - رضي الله عنه - وتوليه الملك ، لم يذكره أحد إلا بخير ، كما لم يذكر أمثاله 
[19] إلا بخير . وهؤلاء مسلمة الفتح -  معاوية  ونحوه - قد شهدوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة غزوات ، كغزاة حنين  والطائف  وتبوك  ، فله من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ما لأمثاله ، فكيف يكون هؤلاء كفارا وقد صاروا مؤمنين مجاهدين تمام سنة ثمان وتسع وعشر ، وبعض سنة إحدى عشرة ؟ . 
 [ ص: 430 ] فإن مكة  فتحت باتفاق الناس في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق الناس توفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ، والناس كلهم كانوا كفارا قبل إيمانهم بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان فيهم من هو أشد عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - [ من  معاوية   ] 
[20] وأسلم وحسن إسلامه ، كأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب  ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من أشد الناس بغضا للنبي - صلى الله عليه وسلم - [21] وهجاء له قبل الإسلام . 
وأما  معاوية   - رضي الله عنه - فكان أبوه شديد العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك أمه حتى أسلمت ، فقالت : " والله يا رسول الله ما كان على وجه 
[22] الأرض أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك  " أخرجه  البخاري  
[23]  . 
وفيهم أنزل الله تعالى : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم  سورة الممتحنة . فإن الله جعل بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين الذي عادوه ، كأبي سفيان  وهند  وغيرهما ، مودة ، والله قدير على تبديل العداوة بالمودة ، وهو غفور لهم بتوبتهم من الشرك ، رحيم بالمؤمنين ، وقد صاروا من المؤمنين . 
				
						
						
