فصل [1] 
قال الرافضي [2]  : " وأمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر ، فقال له  علي   : إن خاصمتك بكتاب الله - تعالى - خصمتك ، إن الله يقول : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا   ) [ سورة الأحقاف : 15 ] وقال - تعالى - : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة   ) [ سورة البقرة : 233 ] " . 
والجواب : أن  عمر  كان يستشير الصحابة ، فتارة يشير عليه  عثمان  بما يراه صوابا ، وتارة يشير عليه  علي  ، وتارة يشير عليه  عبد الرحمن بن عوف  ، وتارة يشير عليه غيرهم . وبهذا مدح الله المؤمنين بقوله - تعالى - : ( وأمرهم شورى بينهم   ) [ سورة الشورى : 38 ] والناس متنازعون في المرأة إذا ظهر بها  [ ص: 94 ] حمل ولم يكن لها زوج ولا سيد ولا ادعت شبهة : هل ترجم  ؟ فمذهب  مالك  وغيره من أهل المدينة  والسلف : أنها ترجم ، وهو قول  أحمد  في إحدى الروايتين ، ومذهب  أبي حنيفة   والشافعي   : لا ترجم ، وهي الرواية الثانية عن  أحمد  ، قالوا : لأنها قد تكون مستكرهة على الوطء ، أو موطوءة بشبهة ، أو حملت بغير وطء . 
والقول الأول هو الثابت عن الخلفاء الراشدين ، وقد ثبت في الصحيحين أن  عمر بن الخطاب  خطب الناس في آخر عمره ، وقال : الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف [3]  . فجعل الحبل دليلا على ثبوت الزنا كالشهود ، وهكذا [4] هذه القضية ، وكذلك اختلفوا في الشارب هل يحد إذا تقيأ أو وجدت منه الرائحة  ؟ على قولين ؛ والمعروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه [5] الراشدين أنهم كانوا يحدون بالرائحة وبالقيء [6] ، وكان الشاهد إذا شهد أنه تقيأها كان كشهادته بأنه شربها  ، والاحتمالات البعيدة هي مثل احتمال غلط الشهود أو كذبهم ، وغلطه في  [ ص: 95 ] الإقرار أو كذبه ، بل هذه الدلائل الظاهرة يحصل بها من العلم ما لا يحصل بكثير من الشهادات والإقرارات . 
والشهادة على الزنا لا يكاد يقام بها حد ، وما أعرف حدا أقيم بها [7] ، وإنما تقام الحدود [8] إما باعتراف ، وإما بحبل ، ولكن يقام بها ما دون الحد ، كما إذا رئيا متجردين في لحاف ونحو [9] ذلك ، فلما كان معروفا عند الصحابة أن الحد يقام بالحبل  ، فلو ولدت المرأة لدون ستة أشهر أقيم عليها الحد . 
والولادة لستة أشهر نادرة إلى الغاية ، والأمور النادرة قد لا تخطر بالبال ، فأجرى  عمر  ذلك على الأمر المعتاد المعروف في النساء ، كما في أقصى الحمل ، فإن المعروف من النساء أن المرأة تلد لتسعة أشهر ، وقد يوجد قليلا من تلد لسنتين ، ووجد نادرا من ولدت لأربع سنين ، ووجد من ولدت لسبع سنين ، فإذا ولدت امرأة بعد إبانة زوجها لهذه المدة ، فهل يلحقه النسب ؟ فيه نزاع معروف ، وهذه من مسائل الاجتهاد . فكثير من العلماء يحد لأقصى الحمل المدة النادرة ، هذا يحد سنتين ، وهذا يحد أربعا [10] ، وهذا يحد سبعا ، ومنهم من يقول : هذا أمر نادر لا يلتفت إليه ، وإذا أبانها وجاءت بالولد على خلاف المعتاد ، مع ظهور كونه من غيره ، لم يجب إلحاقه به . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					