وقول القائل : " إنه قضى في الجد بمائة قضية " . 
إن صح هذا ، لم يرد به أنه قضى في مسألة واحدة بمائة قول ؛ فإن هذا غير ممكن ، وليس في مسائل الجد نزاع أكثر مما في مسألة الخرقاء   [ ص: 98 ] أم وأخت وجد ، والأقوال فيها ستة ، فعلم أن المراد به إن كان صحيحا : أنه قضى في مائة حادثة من حوادث الجد ، وهذا مع أنه ممكن ، لكن لم يخرج قوله عن قولين أو ثلاثة ، وقول علي مختلف أيضا . 
وأهل الفرائض يعلمون هذا وهذا ، مع [1] أن الأشبه أن هذا كذب ، فإن وجود جد وإخوة في الفريضة قليل جدا في الناس ،  وعمر  إنما تولى عشر سنين ، وكان قد أمسك عن الكلام في الجد . 
وثبت عنه في الصحيح أنه قال : " ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بينهن لنا : الجد ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا  " [2]  . ومن كان متوقفا لم يحكم فيها بشيء . 
ومما يبين هذا أن الناس إنما نقلوا عن  عمر  في فريضة واحدة قضاءين . قضى [3] في المشركة ، فروي عنه بالإسناد المذكور في كتب أهل العلم أنه قضى فيها مرة بعدم التشريك ، وهذا قول  علي  ، وهو مذهب  أبي حنيفة   وأحمد بن حنبل  في المشهور عنه . 
وقضى في نظيرها في العام الثاني بالتشريك ، وقال : ذلك على ما قضينا ، وهذا على ما نقضي ، وهذا قول زيد  ، وهو قول  مالك   والشافعي  ؛ فإنهما وغيرهما مقلدان لزيد  في الفرائض ، وهي رواية حرب  ، عن  أحمد بن حنبل   . 
وهذا مما استدل به الفقهاء على أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد . 
 [ ص: 99 ]  وعلي   - رضي الله عنه - يوافق على ذلك ؛ فإنه قد ثبت عنه أنه قال : " كان رأيي ورأي  عمر  في أمهات الأولاد أن لا يبعن ، ثم قد رأيت أن يبعن " فقال له قاضيه  عبيدة السلماني   : " رأيك مع  عمر  في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة  "  فعلي  له في المسألة قولان ، ومعلوم أن ما قضى به في عتقهن ومنع بيعهن هو  وعمر  لم يكن ينقضه ، وإنما كان يرى أن يستأنف فيما بعد أن يجوز بيعهن . 
والمسائل التي  لعلي  فيها قولان وأكثر كثيرة ، ونفس الجد مع الإخوة قد نقل عنه فيها اختلاف كثير . 
ونقل عنه أنه كان إذا أرسل إليه بعض نوابه يسأله عن قضية في ذلك يأمره فيها باجتهاده ويقول : قطع الكتاب ؛ فإنه - رضي الله عنه - رأى أنه إنما يتكلم فيها بالاجتهاد للضرورة ، وهو مضطر إلى الاجتهاد في هذه المعينة ، وكره أن يقلده غيره من غير اجتهاد منه ، فأمره بتقطيع الكتاب لذلك . 
بخلاف ما إذا كان معه فيها نص ، فإنه كان يبلغه ، ويأمره بتبليغه ، ولا يأمر بقطع كتابه . 
والعلماء مختلفون في بيع الكتب التي فيها العلم بالرأي ، هل يجوز [ بيعه وغير ذلك من الأحكام فيه ؟ ] [4] على قولين . 
				
						
						
