[ ص: 181 ] فصل [1] 
قال الرافضي  [2]  : " وأما  عثمان  فإنه ولى أمور المسلمين من لا يصلح للولاية ، حتى ظهر من بعضهم الفسوق [3] ، ومن بعضهم الخيانة ، وقسم الولايات بين أقاربه ، وعوتب على ذلك مرارا فلم يرجع ، واستعمل  الوليد بن عقبة  ، حتى ظهر منه شرب الخمر ، وصلى بالناس وهو سكران . واستعمل  سعيد بن العاص  على الكوفة  ، وظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه أهل الكوفة  منها . وولى  عبد الله بن سعد بن أبي سرح  [4] مصر حتى تظلم منه أهلها ، وكاتبه أن يستمر على ولايته سرا ، خلاف ما كتب إليه جهرا ، وأمر [5] بقتل  محمد بن أبي بكر   . وولى  معاوية  الشام  ، فأحدث من الفتن ما أحدث . وولى عبد الله بن عامر  [6] البصرة  [7]  [ ص: 182 ] ففعل من المناكير [8] ما فعل . وولى  مروان  أمره ، وألقى إليه مقاليد أموره ، ودفع إليه خاتمه ، فحدث من ذلك قتل  عثمان  ، وحدث من الفتنة بين الأمة ما حدث . وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال [9] ، حتى أنه دفع إلى أربعة نفر من قريش   - زوجهم بناته - أربعمائة ألف دينار ، ودفع إلى  مروان  ألف [ ألف ] دينار [10]  . وكان  ابن مسعود  يطعن عليه ويكفره ، ولما حكم ضربه حتى مات . وضرب  عمارا  حتى صار به فتق . وقد قال فيه [11] النبي - صلى الله عليه وسلم - :  عمار  جلدة بين عيني [12] تقتله الفئة الباغية ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة  . وكان  عمار  يطعن عليه . وطرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  الحكم بن أبي العاص  عم  عثمان  عن المدينة  ، ومعه ابنه  مروان  ، فلم يزل هو - وابنه - طريدا [13] في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -  وأبي بكر   وعمر   . فلما ولي  عثمان  آواه ورده إلى المدينة  ، وجعل  مروان  كاتبه وصاحب تدبيره . مع أن الله تعالى قال : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم   ) الآية [ سورة المجادلة : 22 ] .  [ ص: 183 ] ونفى  أبا ذر  إلى الربذة  ، وضربه ضربا وجيعا ، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حقه : ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على [14] ذي لهجة أصدق من  أبي ذر   . وقال [15]  : إن الله أوحى إلي أنه يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم . فقيل [16]  : من هم يا رسول الله ؟ قال : سيدهم  علي   وسلمان  والمقداد  [17]  وأبو ذر   . وضيع حدود الله فلم يقتل [18] عبيد الله بن عمر  حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين [19] بعد إسلامه ، وكان أمير المؤمنين يطلب عبيد الله  لإقامة القصاص عليه ، فلحق  بمعاوية   . وأراد أن يعطل حد الشرب [20] في  الوليد بن عقبة  [21] حتى حده [22] أمير المؤمنين ، وقال : لا يبطل حد الله [23] وأنا حاضر . وزاد الأذان الثاني يوم الجمعة ، وهو بدعة ، وصار [24] سنة  [ ص: 184 ] إلى الآن . وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل ، وعابوا أفعاله ، وقالوا له : غبت عن بدر  ، وهربت يوم أحد  ، ولم تشهد بيعة الرضوان . والأخبار في ذلك [25] أكثر من أن تحصى " . 
والجواب : أن يقال نواب علي خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال  عثمان  له وعصوه   . وقد صنف الناس كتبا فيمن ولاه [26]  علي  فأخذ المال وخانه ، وفيمن تركه وذهب إلى  معاوية   . وقد ولى  علي   - رضي الله عنه - زياد بن أبي سفيان  أبا عبيد الله بن زياد  قاتل  الحسين  ، وولى  الأشتر النخعي  ، وولى  محمد بن أبي بكر  وأمثال هؤلاء . 
ولا يشك عاقل أن  معاوية بن أبي سفيان   - رضي الله عنه - كان خيرا من هؤلاء كلهم . 
ومن العجب أن الشيعة  ينكرون على  عثمان  ما يدعون أن  عليا  كان أبلغ فيه من  عثمان   . فيقولون : إن  عثمان  ولى أقاربه من بني أمية   . ومعلوم أن  عليا  ولى أقاربه من قبل أبيه وأمه ، كعبد الله  وعبيد الله  ابني  العباس   . فولى عبيد الله [ بن عباس   ] [27] على اليمن  ، وولى على  مكة  والطائف   قثم بن العباس   . وأما المدينة  فقيل : إنه ولى عليها  سهل بن حنيف   . وقيل : ثمامة بن العباس   . وأما البصرة  فولى عليها  عبد الله بن عباس   . وولى على  مصر  ربيبه  محمد بن أبي بكر  الذي رباه في حجره . 
ثم إن الإمامية  تدعي أن  عليا  نص على أولاده في الخلافة ، أو على  [ ص: 185 ] ولده ، وولده على ولده الآخر ، وهلم جرا . 
ومن المعلوم أنه إن كان تولية الأقربين منكرا ، فتولية الخلافة العظمى أعظم من إمارة بعض الأعمال [28] ، وتولية الأولاد أقرب إلى الإنكار من تولية بني العم . ولهذا كان الوكيل والولي الذي لا يشتري لنفسه لا يشتري لابنه [ أيضا ] [29] في أحد قولي العلماء ، والذي دفع إليه المال ليعطيه لمن يشاء [30] لا يأخذه لنفسه ولا يعطيه لولده في أحد قوليهم . 
وكذلك تنازعوا في الخلافة : هل للخليفة أن يوصي بها لولده ؟ على قولين . والشهادة لابنه مردودة عند أكثر العلماء . ولا ترد الشهادة لبني عمه . وهكذا غير ذلك من الأحكام . 
وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنت ومالك لأبيك  " [31]  . وقال : " ليس لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهبه لولده  " . [32] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					