[ ص: 44 ] الوجه الثاني : أن نقول [1]  : في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من وجوه كثيرة ; فإن فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان بغدير يدعى خما  نادى الناس فاجتمعوا ، فأخذ بيدي  علي  وقال : من كنت مولاه  فعلي  مولاه ، وأن هذا قد شاع وطار بالبلاد ، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري  ، وأنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ناقته وهو في الأبطح  وأتى وهو في ملأ من الصحابة ، فذكر أنهم امتثلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج ، ثم قال : " ألم ترضى بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا " وقلت : من كنت مولاه  فعلي  مولاه ؟ وهذا منك أم [2] من الله ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هو من أمر الله [3] ، فولى الحارث بن النعمان  يريد راحلته ، وهو يقول : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم  ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر ، فسقط على هامته ، وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله : ( سأل سائل بعذاب واقع  للكافرين   ) [ سورة المعارج : 1 ، 2 ] الآية . فيقال لهؤلاء الكذابين : أجمع الناس كلهم على أن ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - بغدير خم  [4] كان مرجعه من حجة الوداع . والشيعة  تسلم هذا ، وتجعل ذلك اليوم عيدا وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة . والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرجع إلى مكة  بعد ذلك ، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة  ، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم وصفر ، وتوفي في أول ربيع الأول . 
 [ ص: 45 ] وفي هذا الحديث يذكر أنه بعد أن قال هذا بغدير خم  وشاع في البلاد ، جاءه الحارث  وهو بالأبطح  ، والأبطح  [5] بمكة  ، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم    . 
وأيضا [6] فإن هذه السورة - سورة سأل سائل - مكية باتفاق أهل العلم ، نزلت بمكة  قبل الهجرة ، فهذه نزلت قبل غدير خم  بعشر سنين أو أكثر من ذلك ، فكيف [ تكون ] [7] نزلت بعده ؟ . 
وأيضا قوله : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك   ) [ سورة الأنفال : 32 ] في سورة الأنفال ، وقد نزلت عقيب بدر  [8] بالاتفاق قبل غدير خم  بسنين كثيرة ، وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة ، كأبي جهل  وأمثاله ، وأن الله ذكر نبيه بما كانوا يقولونه [9] بقوله : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء   ) أي اذكر قولهم ، كقوله : ( وإذ قال ربك للملائكة   ) [ سورة البقرة : 30 ] ، ( وإذ غدوت من أهلك   ) [ سورة آل عمران : 121 ] ، ونحو ذلك : يأمره بأن يذكر كل ما تقدم . فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة . 
وأيضا فإنهم لما استفتحوا بين الله أنه لا ينزل عليهم العذاب ومحمد   - صلى الله عليه وسلم - فيهم ; فقال :  [ ص: 46 ]  ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم   ) [ سورة الأنفال : 32 ] ثم قال الله تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون   ) [ سورة الأنفال : 33 ] واتفق الناس على أن أهل مكة  لم تنزل عليهم حجارة من السماء لما قالوا ذلك ، فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل ، ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله . 
ولو أن الناقل طائفة من أهل العلم ، فلما كان هذا لا يرويه أحد من المصنفين في العلم : لا المسند ، ولا الصحيح ، ولا الفضائل ، ولا التفسير ، ولا السير ونحوها ، إلا ما يروى بمثل هذا الإسناد المنكر - علم [10] أنه كذب وباطل . 
وأيضا فقد ذكر [11] في هذا الحديث أن هذا القائل أمر بمباني الإسلام الخمس ، وعلى هذا فقد كان مسلما فإنه قال : " فقبلناه [12] منك . ومن المعلوم بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصبه هذا . 
وأيضا فهذا الرجل لا يعرف في الصحابة ، بل هو من جنس الأسماء التي يذكرها الطرقية ، من جنس الأحاديث التي في سيرة عنتر ودلهمة . وقد صنف الناس كتبا كثيرة في أسماء الصحابة الذين ذكروا في شيء من الحديث ، حتى في الأحاديث الضعيفة ، مثل كتاب " الاستيعاب " لابن  [ ص: 47 ] عبد البر  ، وكتاب ابن منده  ،  وأبي نعيم الأصبهاني  ، والحافظ أبي موسى  ، ونحو ذلك . ولم يذكر أحد منهم هذا الرجل ، فعلم أنه ليس له ذكر في شيء من الروايات ، فإن هؤلاء لا يذكرون إلا ما رواه أهل العلم ، لا يذكرون أحاديث الطرقية ، مثل " تنقلات الأنوار " للبكري الكذاب  [13] وغيره . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					