فصل 
قال الرافضي [1]  : الثاني عشر : [2] روى أخطب [3] خوارزم  بإسناده عن [4]  أبي ذر الغفاري  قال : قال رسول الله صلى الله عليه  [ ص: 403 ] وسلم : من ناصب  عليا  الخلافة فهو [5]  . كافر ، وقد حارب الله ورسوله ، ومن شك في  علي  فهو كافر   . وعن  أنس  قال : كنت عند النبي [6] صلى الله عليه وسلم ، فرأى  عليا  مقبلا فقال : أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة  . وعن معاوية بن حيدة القشيري  قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول  لعلي   : من مات وهو يبغضك [7]  . . مات يهوديا أو نصرانيا  " . 
والجواب من وجوه : 
أحدها : المطالبة بتصحيح النقل ، وهذا على سبيل التنزل [8] ، فإن مجرد رواية الموفق خطيب خوارزم  لا تدل على أن الحديث ثابت قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لو لم يعلم ما في الذي جمعه من الأحاديث من الكذب والفرية ، فأما من تأمل ما [9] في جمع هذا الخطيب  ، فإنه يقول : سبحانك هذا بهتان عظيم . 
الثاني : أن كل من له معرفة بالحديث يشهد أن هذه الأحاديث كذب مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم 
[10]  [ ص: 404 ] الثالث : أن هذه الأحاديث إن كانت مما رواها الصحابة والتابعون فأين ذكرها بينهم ؟ ومن الذي نقلها عنهم ؟ وفي أي كتاب وجد أنهم رووها ؟ ومن كان خبيرا بما جرى بينهم علم بالاضطرار أن هذه الأحاديث مما ولدها الكذابون بعدهم ، وأنها مما عملت أيديهم . 
الوجه الرابع : أن يقال : علمنا بأن المهاجرين  والأنصار  كانوا مسلمين يحبون الله ورسوله ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبهم ويتولاهم ، أعظم من علمنا بصحة شيء من هذه الأحاديث ، وأن  أبا بكر  الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يجوز أن يرد ما علمناه بالتواتر المتيقن بأخبار هي أقل وأحقر من أن يقال لها : أخبار آحاد لا يعلم لها ناقل صادق ، بل أهل العلم بالحديث متفقون على أنها من أعظم المكذوبات ، ولهذا لا يوجد ( منها ) شيء في كتب [11] الأحاديث المعتمدة ، بل أئمة الحديث كلهم يجزمون بكذبها . 
( الوجه ) [12] الخامس : أن القرآن يشهد في غير موضع برضا الله عنهم ، وثنائه عليهم ، كقوله تعالى: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه   ) ( سورة التوبة : 100 ) . 
 [ ص: 405 ] وقوله : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى   ) ( سورة الحديد : 10 ) . 
وقوله: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا   ) الآية ( سورة الفتح : 29 ) . 
وقوله: ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة   ) ( سورة الفتح : 18 ) . 
وقوله: ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا   ) ( سورة الحشر : 8 ) ، وأمثال ذلك فكيف يجوز أن [13] يرد ما علمنا دلالة القرآن عليه يقينا بمثل هذه الأخبار المفتراة التي رواها من لا يخاف مقام ربه ، ولا يرجو لله وقارا . 
الوجه السادس : أن هذه الأحاديث تقدح في  علي  وتوجب أنه كان مكذبا بالله ورسوله ، فيلزم من صحتها كفر الصحابة كلهم هو وغيره . 
أما الذين ناصبوه الخلافة [14] ، فإنهم في هذا الحديث المفترى كفار ، وأما  علي  فإنه لم يعمل بموجب هذه النصوص ، بل كان يجعلهم مؤمنين مسلمين ، وشر من قاتلهم  علي  هم الخوارج  ، ومع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفار ، بل حرم أموالهم وسبيهم ، وكان يقول لهم قبل قتالهم : إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ، ولا حقكم من فيئنا ، ولما قتله ابن  [ ص: 406 ] ملجم  [15] قال : إن عشت فأنا ولي دمي ، ولم يجعله مرتدا بقتله [16]  . 
وأما أهل الجمل فقد تواتر عنه أنه نهى ( عن ) [17] أن يتبع مدبرهم ، وأن يجهز على جريحهم ، وأن يقتل أسيرهم ، وأن تغنم أموالهم ، وأن تسبى ذراريهم ، فإن كان هؤلاء كفارا بهذه النصوص  فعلي  أول [18] من كذب بها فيلزمهم أن يكون  علي  كافرا . 
وكذلك أهل صفين كان يصلي على قتلاهم ، ويقول : إخواننا بغوا علينا طهرهم السيف ، ولو كانوا عنده كفارا لما صلى عليهم ، ولا جعلهم إخوانه ، ولا جعل السيف طهرا لهم [19] 
وبالجملة نحن نعلم بالاضطرار من سيرة  علي  رضي الله عنه أنه لم يكن يكفر الذين قاتلوه ، بل ولا جمهور المسلمين ، ولا الخلفاء الثلاثة ، ولا  الحسن  ، ولا  الحسين  كفروا [20] أحدا من هؤلاء ، ولا  علي بن الحسين  ، ولا أبو جعفر  ، فإن كان هؤلاء كفارا ، فأول من خالف النصوص  علي  وأهل بيته ، وكان يمكنهم أن يفعلوا ما فعلت الخوارج  فيعتزلوا بدار غير دار الإسلام ن ، م : المسلمين ، وإن عجزوا عن القتال ، ويحكموا [21] على أهل دار الإسلام بالكفر والردة ، كما يفعل ذلك كثير من شيوخ الرافضة  ، وكان الواجب  [ ص: 407 ] على  علي  إذا رأى أن الكفار لا يؤمنون ، أن يتخذ له ولشيعته دارا غير دار أهل الردة والكفر ، ويباينهم كما باين المسلمون لمسيلمة الكذاب وأصحابه . 
وهذا نبي الله صلى الله عليه وسلم كان بمكة  هو وأصحابه في غاية الضعف ، ومع هذا فكانوا يباينون الكفار ، ويظهرون مباينتهم بحيث يعرف المؤمن من الكافر ، وكذلك هاجر من هاجر منهم إلى أرض الحبشة  مع ضعفهم ، وكانوا يباينون النصارى  ، ويتكلمون بدينهم قدام النصارى   . 
وهذه بلاد الإسلام مملوءة من اليهود  والنصارى  ، وهم مظهرون لدينهم متحيزون عن المسلمين . 
فإن كان كل من يشك [22] في خلافة  علي  كافرا عنده وعند أهل بيته ، وليس بمؤمن عندهم إلا من اعتقد أنه الإمام المعصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لم يعتقد ذلك فهو مرتد عند  علي  وأهل بيته ،  فعلي  أول من بدل الدين ، ولم يميز المؤمنين من الكافرين ، ولا المرتدين من المسلمين . 
وهب أنه كان عاجزا عن قتالهم وإدخالهم في طاعته فلم يكن عاجزا عن مباينتهم ، ولم يكن أعجز من الخوارج  الذين هم شرذمة ( قليلة ) [23] من عسكره ، والخوارج  اتخذوا لهم دارا غير دار الجماعة وباينوهم كما [24] كفروهم ، وجعلوا أصحابهم [25] هم المؤمنين . 
 [ ص: 408 ] وكيف كان يحل  للحسن  [26] أن يسلم أمر المسلمين إلى من هو عنده من المرتدين شر من اليهود  والنصارى  ، كما يدعون في  معاوية  ؟ وهل يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر ؟ وقد كان  الحسن  يمكنه أن يقيم بالكوفة  ،  ومعاوية  لم يكن بدأه بالقتال ، وكان قد طلب منه ما أراد فلو قام مقام أبيه لم يقاتله  معاوية  ، وأين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في فضل  الحسن   : إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين [27] ، فإن كان  علي  وأهل بيته -  والحسن  منهم - يقولون : لم يصلح الله به إلا بين المؤمنين والمرتدين فهذا قدح في  الحسن  ، وفي جده الذي أثنى على  الحسن  ، [28]  : لما كان الأمر كما يقوله الرافضة   . 
فتبين أن الرافضة  من أعظم الناس قدحا وطعنا في أهل البيت ، وأنهم هم الذين عادوا أهل البيت في نفس الأمر ، ونسبوهم إلى أعظم المنكرات التي من فعلها كان من الكفار ، وليس هذا ببدع من جهل الرافضة  وحماقاتهم .  
ثم إن الرافضة  تدعي أن الإمام المعصوم لطف من الله بعباده ليكون ذلك أدعى إلى أن يطيعوه فيرحموا ، وعلى ما قالوه فلم يكن على أهل الأرض نقمة أعظم من  علي  ، فإن الذين خالفوه وصاروا مرتدين كفارا ، والذين وافقوه أذلاء مقهورون تحت النقمة لا يد ولا لسان ، وهم مع  [ ص: 409 ] ذلك يقولون إن خلقه مصلحة ولطف ، وإن الله يجب عليه أن يخلقه ، وإنه لا تتم مصلحة العالم في دينهم ودنياهم إلا به ، وأي صلاح في ذلك على قول الرافضة  ؟ 
ثم إنهم يقولون : إن الله يجب عليه أن يفعل أصلح ما يقدر عليه للعباد في دينهم ودنياهم ، وهو يمكن الخوارج  الذين يكفرون به بدار لهم [29] فيها شوكة ، ومن قتال أعدائهم ، ويجعلهم هم [30] والأئمة المعصومين في ذل [31] أعظم من ذل [32] اليهود  والنصارى  [33] ، وغيرهم من أهل الذمة ، فإن أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم ، وهؤلاء الذين يدعى أنهم حجج الله على عباده ولطفه في بلاده ، وأنه لا هدى إلا بهم ، ولا نجاة إلا بطاعتهم ، ولا سعادة إلا بمتابعتهم قد غاب خاتمتهم من أكثر من [34] أربعمائة وخمسين سنة [35] ، فلم ينتفع به أحد في دينه ولا دنياه ، وهم لا يمكنهم إظهار دينهم ، كما تظهر اليهود  والنصارى  دينهم . 
ولهذا ما زال أهل العلم يقولون : إن الرفض من أحداث الزنادقة الملاحدة الذين قصدوا إفساد الدين : دين الإسلام ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون  ، فإن منتهى أمرهم تكفير علي وأهل بيته ، بعد أن كفروا الصحابة ( والجمهور ) [36] 
 [ ص: 410 ] ولهذا كان صاحب دعوى الباطنية  الملاحدة رتب دعوته مراتب : أول ما يدعو المستجيب إلى التشيع ، ثم إذا طمع فيه قال له :  علي  مثل الناس ، ودعاه إلى القدح في  علي  أيضا ، ثم إذا طمع فيه دعاه إلى القدح في الرسول ، ثم إذا طمع فيه [37] دعاه إلى إنكار الصانع ، هكذا [38] ترتيب كتابهم الذي يسمونه " البلاغ الأكبر " ، و " الناموس الأعظم " ، وواضعه الذي أرسل به إلى القرمطي  الخارج بالبحرين  لما استولى على مكة  ، وقتلوا  الحجاج  ، وأخذوا الحجر الأسود ، واستحلوا المحارم ، وأسقطوا الفرائض ، وسيرتهم مشهورة عند أهل العلم . 
وكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من مات وهو يبغض  عليا  مات يهوديا ، أو نصرانيا ، والخوارج  كلهم تكفره وتبغضه ؟ ! وهو نفسه لم يكن يجعلهم مثل اليهود  والنصارى  ، بل يجعلهم من المسلمين أهل القبلة ، ويحكم فيهم بغير ما يحكم به [39] بين اليهود  والنصارى   . 
وكذلك من كان يسبه ويبغضه من بني أمية  وأتباعهم ، فكيف يكون من يصلي الصلوات ويصوم شهر رمضان ويحج البيت ويؤدي الزكاة مثل اليهود  والنصارى  ؟ ! وغايته أن يكون قد [40] خفي عليه كون هذا إماما ، أو عصاه بعد معرفته . 
وكل أحد يعلم أن أهل الدين والجمهور ليس لهم غرض مع  علي  ، ولا لأحد منهم غرض في تكذيب الرسول ، وأنهم لو علموا أن الرسول جعله إماما كانوا أسبق الناس إلى التصديق بذلك . 
 [ ص: 411 ] وغاية ما يقدر أنهم خفي عليهم هذا الحكم فكيف يكون من خفي عليه جزء من الدين مثل اليهود  والنصارى  ؟ ! 
وليس المقصود هنا الكلام في التكفير ، بل التنبيه على أن هذه الأحاديث مما يعلم بالاضطرار أنها كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنها مناقضة لدين الإسلام ، وأنها تستلزم تكفير  علي  ، وتكفير من خالفه ، وأنه لم يقلها من يؤمن بالله واليوم الآخر ، فضلا عن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل إضافتها - والعياذ بالله - إلى رسول الله من أعظم القدح والطعن فيه ، ولا شك أن هذا فعل زنديق ملحد لقصد [41] إفساد دين الإسلام فلعن الله من افتراها ، وحسبه ما وعده به الرسول حيث قال : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار  " [42]  . 
				
						
						
