ويمتنع [1] أن يكون مفعوله مقارنا له  أزليا معه لوجوه : أحدها : أن مفعوله مستلزم للحوادث لا ينفك عنها ، وما يستلزم الحوادث يمتنع [2] أن يكون معلولا لعلة تامة أزلية ، فإن معلول العلة التامة الأزلية لا يتأخر منه [3] شيء ، ولو تأخر منه [4] شيء لكانت علة [5] بالقوة لا بالفعل ، ولافتقرت في كونها فاعلة له إلى شيء منفصل عنها ، وذلك ممتنع . فوجب أن يكون مفعولا له لا يكون عنه إلا شيئا [6] بعد شيء [7] ، فكل ما هو مفعول له فهو حادث بعد أن لم يكن ، ولأن كونه مقارنا له في الأزل يمنع [8] كونه مفعولا له ، فإن كون الشيء مفعولا مقارنا ممتنع عقلا . 
ولا يعقل في الموجودات شيء معين هو علة تامة لمعلول مباين له  [ ص: 419 ] أصلا ، [ بل ] [9] كل ما يقال : إنه علة : إما أن يكون تأثيره متوقفا على غيره فلا تكون تامة ، وإما أن [ لا ] [10] يكون مباينا له على رأي من يقول : العلم علة للعالمية عند من يثبت الأحوال ، وإلا فجمهور الناس يقولون : العلم هو العالمية . 
وأما إذا قيل : الذات موجبة للصفات أو علة لها  ، فليس لها [11] في الحقيقة فعل ولا تأثير أصلا . 
وإما إذا قدر شيء مؤثر في غيره ، وقدر أنهما متقارنان [12] متساويان لم يسبق أحدهما الآخر سبقا زمانيا ، فهذا لا يعقل أصلا . 
وأيضا : فكونه متقدما على غيره من كل وجه صفة كمال ، إذ المتقدم على غيره من كل وجه أكمل ممن يتقدم [13] من وجه دون وجه . 
وإذا قيل : الفعل أو تقدير الفعل لا يجوز أن يكون له ابتداء أو غير ذلك كالحركة أو الزمان . 
قيل : إن كان هذا باطلا فقد اندفع ، وإن كان صحيحا فالمثبت إنما هو الكمال الممكن الوجود . 
وحينئذ فإذا كان النوع دائما ، فالممكن والأكمل [14] هو التقدم على كل فرد من الأفراد ، بحيث لا يكون في أجزاء العالم شيء يقارنه [15] بوجه من  [ ص: 420 ] الوجوه ، وأما دوام الفعل فهو أيضا من الكمال ، فإن الفعل إذا كان صفة كمال ، فدوامه دوام الكمال ، وإن لم يكن صفة كمال ، لم يجب دوامه . فعلى التقديرين لا يكون شيء من العالم قديما معه ، والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع . 
				
						
						
