[ ص: 621 ] المثال السادس :  
أن  الإمام لو أراد أن يعاقب بأخذ المال على بعض الجنايات [ فهل له ذلك ؟ ]   
فاختلف العلماء في ذلك حسبما ذكره   الغزالي     .  
على أن   الطحاوي  حكى ، أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ فأجمع العلماء على منعه .  
فأما   الغزالي  فزعم أن ذلك من قبيل الغريب الذي لا عهد به في الإسلام ، ولا يلائم تصرفات الشرع ، مع أن هذه العقوبة الخاصة لم تتعين ، لشرعية العقوبات البدنية بالسجن والضرب وغيرهما .  
قال : فإن قيل : فقد روي  أن   عمر بن الخطاب     ( رضي الله عنه ) شاطر   خالد بن الوليد  في ماله ، حتى أخذ رسوله فرد نعله وشطر عمامته     . قلنا : المظنون من  عمر  أنه لم يبتدع العقاب بأخذ المال على خلاف المألوف من الشرع ، وإنما ذلك لعلم  عمر  باختلاط ماله بالمال المستفاد من الولاية وإحاطته بتوسعته ، فلعله ضمن المال فرأى شطر ماله من فوائد الولاية فيكون استرجاعا للحق لا عقوبة في المال ، لأن هذا من الغريب الذي لا يلائم قواعد الشرع .  
هذا ما قاله . ولما فعل  عمر  رضي الله عنه وجه آخر غير هذا ، ولكنه لا دليل فيه على العقوبة بالمال كما قال   الغزالي     .  
وأما مذهب  مالك  فإن  العقوبة في المال   عنده ضربان :  
( أحدهما ) : كما صوره   الغزالي  ، فلا مرية في أنه غير صحيح ، على أن  ابن العطار  في " رقائقه " صغى إلى إجازة ذلك ، فقال : في      [ ص: 622 ] إجازة أعوان القاضي إذا لم يكن بيت مال . إنها على الطالب ، فإن أدى المطلوب كانت الإجازة عليه .  
ومال إليه  ابن رشد     . ورده عليه  ابن النجار القرطبي  ، وقال : إن ذلك من باب العقوبة في المال ، وذلك لا يجوز على حال .  
( والثاني ) : أن تكون جناية الجاني في نفس ذلك المال أو في عوضه ، فالعقوبة فيه عنده ثابتة . فإنه قال في الزعفران المغشوش إذا وجد بيد الذي غشه : إنه يتصدق به على المساكين ، قل أو كثر .  
وذهب  ابن القاسم  ومطرف   وابن الماجشون  إلى أنه يتصدق بما قل منه دون ما كثر ، وذلك محكي عن   عمر بن الخطاب     ( رضي الله عنه ) ، وأنه أراق اللبن المغشوش بالماء ، ووجه ذلك التأديب للغاش . وهذا التأديب لا نص يشهد له لكنه من باب الحكم على الخاصة لأجل العامة . وقد تقدم نظيره في مسألة تضمين الصناع .  
على أن  أبا الحسن اللخمي  قد وضع له أصلا شرعيا ، وذلك :  أنه عليه السلام أمر بإكفاء القدور التي أغليت بلحوم الحمر قبل أن تقسم  ، وحديث العتق بالمثلة أيضا من ذلك .  
ومن مسائل  مالك  في المسألة : إذا  اشترى مسلم من نصراني خمرا   فإنه يكسر على المسلم ، ويتصدق بالثمن أدبا للنصراني إن كان النصراني لم يقبضه . وعلى هذا المعنى فرع أصحابه في مذهبه ، وهو كله من العقوبة في المال ، إلا أن وجهه ما تقدم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					