[ ص: 80 ] وآياته صلى الله عليه وسلم قد استوعبت جميع أنواع الآيات الخبرية والفعلية . وإخباره عن الغيب الماضي والحاضر والمستقبل بأمور باهرة ، لا يوجد مثلها لأحد من النبيين قبله  ، فضلا عن غير النبيين . ففي القرآن من إخباره عن الغيوب شيء كثير - كما تقدم بعض ذلك - وكذلك في الأحاديث الصحيحة ، مما أخبر بوقوعه ، فكان كما أخبر . ففي الصحيحين عن  حذيفة  قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به ، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثم إذا رآه عرفه  .  [ ص: 81 ] وفي صحيح  مسلم ،  عن أبي زيد عمرو بن أخطب  قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ، وصعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت الظهر ، ثم نزل فصلى بنا ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى بنا ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس ، قال : وأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأحفظنا أعلمنا  . وفي صحيح  البخاري ،  عن  عدي بن حاتم  قال : بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فشكا إليه الفاقة ، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل . فقال : يا عدي ،  هل رأيت الحيرة ؟ قلت : لم أرها وقد أنبئت عنها . قال : فإن طالت  [ ص: 82 ] بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة  لا تخاف أحدا إلا الله . قال : قلت فيما بيني وبين نفسي : فأين دعار طيئ ، الذين قد سعروا البلاد ؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز  كسرى   . قلت :  كسرى بن هرمز !  قال :  كسرى بن هرمز  ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله عنه ، فلا يجد أحدا يقبله منه ، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ، فيقولن له : ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك ؟ فيقول : بلى . فيقول : ألم أعطك مالا وأفضل عليك ؟ فيقول بلى . فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم . قال عدي   : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :  [ ص: 83 ] اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة . قال عدي  فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة  لا تخاف إلا الله ، وكنت فيمن افتتح كنوز  كسرى بن هرمز  ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج ملء كفه . قلت : وهذا الذي أخبر به من خروج الرجل بملء كفه من ذهب أو فضة فلا يجد من يقبله ، ظهر كما أخبر في زمن  عمر بن عبد العزيز   .  [ ص: 84 ] وفي صحيح  مسلم ،  عن  جابر بن سمرة ،  عن نافع بن عتبة  قال : 7466 - كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ، قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب ، عليهم ثياب الصوف ، فوافقوه عند أكمة ، فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ، قال : فقالت لي نفسي : ائتهم فقم بينهم وبينه لا يغتالونه ، قال : ثم قلت : لعله نجي معهم . فأتيتهم فقمت بينهم وبينه ، قال : فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي . قال : تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم فارس  فيفتحها الله ، ثم تغزون الروم  فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال  فيفتحه الله  .  [ ص: 85 ] وروى  البخاري ،  عن عوف بن مالك  قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك  ، 3212 - وهو في قبة من أدم ، فقال : اعدد ستا بين يدي الساعة : موتي ، ثم فتح بيت المقدس  ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون ، فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا  .  [ ص: 86 ] قلت : ففتح بيت المقدس  بعد موته في خلافة  عمر بن الخطاب  ، ثم بعد ذلك وقع الطاعون العظيم بالشام  ، طاعون عمواس في خلافة  عمر  أيضا ، ومات فيه  معاذ بن جبل ،   وأبو عبيدة بن الجراح ،  وخلق كثير ، وكان ذلك أول طاعون وقع في الإسلام ، فكان ما أخبر به ، حيث أخذهم طاعون كعقاص الغنم ، ثم استفاض المال في خلافة  عثمان بن عفان  حتى كان أحدهم يعطى مائة دينار فيسخطها ، وكثر المال حتى كانت الفرس  تشترى بوزنها ، ثم وقعت الفتنة العامة التي لم يبق بيت من العرب إلا دخلته لما قتل  عثمان ،  ووقعت الفتنة بين المسلمين أو الملوك ،  [ ص: 87 ] يوم الجمل ، ويوم صفين . وفي الصحيحين عن  خباب بن الأرت  قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة  ، وقد لقينا من المشركين شدة ، فقلنا : ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر لنا ، قال : فجلس محمرا وجهه ، ثم قال : والله إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويؤخذ فتحفر له الحفرة فيوضع المنشار على رأسه ، فيشق باثنتين ما يصرفه عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء  إلى حضرموت  لا يخشى إلا الله عز وجل  [ ص: 88 ] أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تعجلون وفي صحيح  البخاري ،  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك ، صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر  . قلت : وهؤلاء الطوائف كلهم قاتلهم المسلمون كما أخبر صلى الله عليه وسلم ، وأمر هذه الطوائف معروف ، فإن قتال الترك  [ ص: 89 ] من التتار وغيرهم الذين هذه صفتهم معروف مشهور ، وحديثهم في أكثر من عشرة آلاف نسخة كبار وصغار من كتب المسلمين ، قبل قتال هؤلاء الذين ظهروا من ناحية المشرق ، الذين هذه صفتهم التي لو كلف من رآهم بعينه أن يصفهم لم يحسن مثل هذه الصفة . وفي الصحيحين عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : 7203 لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز  تضيء أعناق الإبل ببصرى   . وقد ظهرت هذه النار سنة بضع وخمسين وستماية ، ورآها الناس ، ورأوا أعناق الإبل قد أضاءت ببصرى  ، وكانت تحرق الحجر ، ولا تنضج اللحم . وفي الصحيحين عن  أبي سعيد ،  وأسماء  أن رسول الله  [ ص: 90 ] صلى الله عليه وسلم قال  لعمار بن ياسر   : تقتلك الفئة الباغية  . وفي الصحيحين عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلك  كسرى  ثم لا يكون  كسرى  بعده ، وقيصر   55 ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله  . وفي الصحيحين عن  جابر  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا هلك  كسرى  فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر  فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله  .  [ ص: 91 ] وفي الصحيحين عن  جابر بن سمرة  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لتفتحن عصابة من المسلمين ، أو قال : من المؤمنين كنز آل  كسرى  الذي في الأبيض  . والأبيض قصر كان لكسرى  ، وفي صحيح  البخاري  وغيره عن أبي بكرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الحسن   : أن ابني هذا سيد  [ ص: 92 ] وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين  . قلت : فوقع هذا كما أخبر به ، بعد موت الرسول بنحو ثلاثين سنة ، وهو سنة أربعين من الهجرة ، لما أصلح الله بالحسن  بين الفئتين العظيمتين اللتين كانتا متحاربتين بصفين ، عسكر  علي  ، وعسكر  معاوية   . وفي الصحيحين عن  ابن عباس  أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني رأيت الليلة في  [ ص: 93 ] المنام ظلة تنطف السمن والعسل ، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم ، فمنهم المستكثر والمستقل ، ثم إذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت ، ثم أخذ به رجل بعدك فعلا ، ثم أخذ به رجل آخر فعلا ، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ، ثم وصل له فعلا . قال  أبو بكر   : يا رسول الله بأبي أنت وأمي لتدعني فلأعبره ، فقال : أعبر . فقال  أبو بكر   : أما الظلة فظلة الإسلام ، وأما الذي ينطف من السمن والعسل فالقرآن حلاوته ولينه ، وأما ما يتكفف فالمستكثر من القرآن والمستقل ، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه ، تأخذ به فيعليك الله ، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو ، ثم يأخذ به رجل فيعلو ، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به . فأخبرني يا رسول الله : أصبت أم أخطأت ؟ فقال : أصبت بعضا وأخطأت بعضا . قال : فوالله يا رسول الله لتخبرني بالذي أخطأت . قال : لا تقسم  .  [ ص: 94 ] وفي الصحيحين عن  أبي هريرة  رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو ، فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها  ابن أبي قحافة  فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعف - والله يغفر له - ثم استحالت غربا فأخذها  ابن الخطاب  فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع  عمر  حتى ضرب الناس بعطن، وفي رواية: فاستحالت الدلو غربا في يد  عمر   . قال  الشافعي   : رؤيا  [ ص: 95 ] الأنبياء وحي   . وقوله : في نزعه ضعف ، قصر مدته ، وعجلة موته ، وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه  عمر  في طول مدته . وفي الصحيحين عن محمد بن جبير بن مطعم  ، عن أبيه أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فأمرها أن ترجع إليه ، فقالت : أرأيت إن جئت فلم أجدك يا رسول الله ؟ قال : أي كأنها تعني الموت ، قال : إن لم تجديني فائتي أبا بكر  . وروى  أبو داود الطيالسي  ، عن  أبي ثعلبة الخشني  ، وعن  أبي عبيدة بن الجراح  ،  ومعاذ بن جبل  ، عن النبي صلى الله عليه  [ ص: 96 ] وسلم قال : إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عنوة وجبرية ، وفسادا في الأمة ، يستحلون الفروج ، والخمور والحرير ، وينصرون على ذلك ، ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عز وجل  . وروى  أبو داود  ، عن  سمرة بن جندب  أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني رأيت كأن دلوا دلي من السماء فجاء  أبو بكر  رضي الله عنه فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ، ثم جاء  عمر   [ ص: 97 ] فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ، ثم جاء  عثمان  فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ، ثم جاء  علي  فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء  . وفي السنن عن  سفينة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا  . فكان هذا  [ ص: 98 ] العام تمام الثلاثين سنة من موته ، ودخل في ذلك خلافة  أبي بكر  ،  وعمر  ،  وعثمان  ،  وعلي   . وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : زويت لي الأرض مشارقها ، ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها  . وفي صحيح  مسلم   : إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة ، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي قال لي : يا محمد ،  إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد  [ ص: 99 ] وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة ، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا  . وهذا أخبر به في أول الأمر ، وأصحابه في غاية القلة قبل فتح مكة  ، وكان كما أخبر ، فإن ملك أمته انتشر في الشرق والغرب ، ولم ينتشر في الجنوب والشمال كانتشاره في الشرق والغرب ؛ إذ كانت أمته أعدل الأمم ؛ فانتشرت دعوته في الأقاليم التي هي وسط المعمور من الأرض ، كالثالث والرابع والخامس ، وقد تقدم قوله :  [ ص: 100 ] هلك  كسرى  فلا يكون كسرى بعده . وذاك  كسرى بن هرمز  آخر الأكاسرة المملكين ، ثم ولي بعده ولاة متضعفون ، فكان آخرهم يزدجرد  ، وإليه الإشارة باللفظ الآخر : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر  فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله  . وهذا أخبر به ، وملك كسرى ، وقيصر  أعز ملك في الأرض ، فصدق الله خبره في خلافة عمر  وعثمان  فهلك  كسرى  ، وهو آخر الأكاسرة في خلافة  عثمان  بأرض فارس ، ولم يبق بعده  كسرى  ، ولم يبق  [ ص: 101 ] للمجوس ، والفرس  ملك ، وهلك قيصر  الذي بأرض الشام  ، وغيرها ، ولم يبق بعده من هو ملك على الشام  ، ولا مصر  ، ولا الجزيرة من النصارى ،  وهو الذي يدعى قيصر   . قال :  الشافعي   : كانت قريش  تنتاب الشام  انتيابا كثيرا ، وكان كثير من معاشها منه ، وتأتي العراق  فيقال : لما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام  ، والعراق  إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام ، مع خلاف ملك الشام  ، والعراق  لأهل الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا هلك  كسرى  فلا كسرى بعده . فلم يبق بأرض العراق  كسرى يثبت له أمر بعده . وقال : إذا هلك قيصر  فلا قيصر بعده  . فلم يكن بأرض الشام  قيصر ، فأجابهم على ما قالوا ، وكان كما قال قطع الله الأكاسرة عن  [ ص: 102 ] العراق  ، وفارس ،   وقيصر عن الشام   . وقال في  كسرى   : مزق الله ملكه . فلم يبق للأكاسرة ملك ، وقال في قيصر : ثبت ملكه . فثبت ملكهم ببلاد الروم  ، وتنحى  [ ص: 103 ] عن الشام  ، وكل هذا يصدق بعضه بعضا . وفي الصحيحين عن سفيان بن أبي زهير  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تفتح اليمن  فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم تفتح الشام  فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون ، وفي رواية : فيخرج من المدينة   . فأخبر صلى الله عليه وسلم بفتح اليمن  ، والشام  ، والعراق  قبل أن يكون ، وأخبر أنه يخرج من المدينة  أقوام يتحملون بأهليهم ، ومن  [ ص: 104 ] أطاعهم إلى هذه الأمصار ، ويطلبون الريف وسعة الرزق ، قال : والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون . وفي صحيح  مسلم  عن  أبي ذر  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ستفتح مصر  ، وهي أرض يسمى فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا . وفي رواية : فأحسنوا إلى أهلها ، فإن لهم ذمة ورحما ، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان على موضع لبنة فاخرج منها  .  [ ص: 105 ] فمر  أبو ذر  بعد فتح مصر  بمدة بابني شرحبيل بن حسنة  ، وهما يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها . وفي صحيح  البخاري  ، عن  سليمان بن صرد  قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : حين أجلي الأحزاب عنه : الآن نغزوهم ، ولا يغزونا وكذلك كان . وفي صحيح  مسلم  ، عن  عبد الله بن عمرو  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا فتحت عليكم فارس ،  والروم ،  أي قوم وأنتم  . قال عبد الرحمن بن  [ ص: 106 ] عوف   : نقول كما أمرنا الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو غير ذلك ؟ تتنافسون ، ثم تتحاسدون ، ثم تتدابرون ، ثم تتباغضون ، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين  فتحملون بعضهم على رقاب بعض  . وفي صحيح  البخاري  ، عن  أبي هريرة  أنه لما أنزل الله : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين  وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم   . سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الآخرين ، فقال : لو كان الدين معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس   . وفي لفظ : لو كان الإيمان ، وفي لفظ : العلم . وكان كما أخبر ، فإنه حصل في  [ ص: 107 ] التابعين وتابعيهم ، وهلم جرا ، من أبناء فارس ، مثل :  الحسن البصري  ، ومحمد بن سيرين  ، وسعيد بن جبير  ، وعكرمة مولى ابن عباس  ، ومجاهد بن جبر  ، وأضعاف هؤلاء ، من نالوا ذلك . ولما نزل قوله تعالى : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين   [ ص: 108 ] سئل عنهم ، فقال : هم قوم هذا ، وأشار إلى  أبي موسى الأشعري  ، وقال : إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن   . وفي الصحيحين عنه أنه قال : أتاكم أهل اليمن  ، هم أرق قلوبا وألين أفئدة; الإيمان يماني ، والفقه يماني ، والحكمة يمانية .  [ ص: 109 ] فلما ارتد من ارتد عن الإسلام أتى الله بهؤلاء الذين يحبهم ويحبونه ، فقاتل  الصديق  بهم أهل الردة ، وغلب بهم  أبو بكر  ،  وعمر   كسرى  وقيصر   . وقال  لعثمان   : إن الله مقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه  . وفي الصحيحين عن  أبي موسى  قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة  ، وهو متكئ يركز بعود  [ ص: 110 ] في الماء والطين ، إذ استفتح رجل فقال له : افتح وبشره بالجنة . فإذا هو  أبو بكر  ففتحت له وبشرته بالجنة ، ثم استفتح رجل آخر ، فقال له : افتح له وبشره بالجنة . فذهبت فإذا هو  عمر  ، ففتحت له ، وبشرته بالجنة ، ثم استفتح رجل آخر ، فقال له : افتح له ، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه . فذهبت فإذا هو  عثمان  ففتحت له ، وبشرته بالجنة ، فقلت له الذي قال ، فقال : اللهم صبرا ، والله المستعان  . وفي الصحيحين حديث  حذيفة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن التي تموج موج البحر ، وقال  لعمر   : إن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك ذلك الباب أن يكسر . فسأله  مسروق  من الباب ؟  [ ص: 111 ] فقال :  عمر   . وفي الصحيحين عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستكون الفتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه ، ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به . ورواه أبو بكرة  ، وقال فيه : فإذا وقعت ، فمن كان له إبل فليلحق بإبله ، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق  [ ص: 112 ] بأرضه . قال : فقال رجل : يا رسول الله ، أرأيت إن لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض ؟ قال : يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ، ثم لينج إن استطاع النجاء ، اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت . فقال رجل : يا رسول الله ، أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين ، أو إحدى الفئتين ، فضربني رجل بسيفه ، أو يجيء سهم فيقتلني ؟ قال : يبوء بإثمه وإثمك ، ويكون من أصحاب النار  . وفي صحيح أبي حاتم  قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل للعرب من شر قد اقترب ، أو فتنة عمياء صماء بكماء ، القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي ، ويل للساعي فيها من الله يوم القيامة  .  [ ص: 113 ] وفي الصحيحين عنه أنه قال : إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر  . وفي الصحيحين من غير وجه أنه لما قال له ذو الخويصرة   : يا محمد ،  اعدل فإنك لم تعدل . فقال : ويحك ، قد خبت وخسرت إن لم أعدل . فقال بعض أصحابه : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ،  [ ص: 114 ] يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، آيتهم أن فيهم رجلا مخدج اليد على عضده مثل البضعة من اللحم تدردر ، عليها شعرات  . وفي رواية في الصحيحين : تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق  . وهؤلاء ظهروا بعد موته ببضع وعشرين سنة في أواخر خلافة علي ، لما افترق المسلمون ، وكانت الفئة بين عسكر  علي  ، وعسكر  معاوية  ، وقتلهم  علي بن أبي طالب  ، وأصحابه ، وهم أدنى الطائفتين إلى الحق ، والطائفة الأخرى قتلوا  عمار بن ياسر  ، وهي الطائفة  [ ص: 115 ] الباغية ، وكان  علي  قد أخبرهم بهذا الحديث ، وبعلامتهم فطلبوا هذا المخدج فلم يجدوه ، حتى قام  علي   - بنفسه - ففتش عليه فوجده مقتولا فسجد شكرا لله . وفي الصحيح عنه أنه قال : ستكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها ، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة  . وهؤلاء ظهروا بعده بمدة فكانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر ، ويؤخرون العصر إلى اصفرار الشمس . وفي الصحيحين عنه أنه قال : إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا  [ ص: 116 ] حتى تلقوني على الحوض  . فلقوا بعده من استأثر عليهم ، ولم يعطهم حقهم . وفي الصحيحين عنه أنه قال : ستكون بعدي أمراء يطلبون منكم حقهم ، ويمنعونكم حقكم ، قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ، قال : أدوا إليهم حقهم ، واسألوا الله حقكم  . وفي الصحيحين عنه أنه سار  فاطمة  فقال لها وهو في مرضه الذي توفي فيه : إني أقبض في مرضي هذا . ثم أخبرها أنها أول أهله لحوقا به . وفي رواية : وأخبرها أنها سيدة نساء المؤمنين  . وفي الصحيحين عن  عائشة  قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسرعكن بي لحاقا أطولكن يدا قالت : قالت فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا ، فكانت أطولنا يدا زينب  لأنها كانت تعمل بيدها  [ ص: 117 ] وتتصدق  . وفي صحيح  البخاري  ، وغيره ، عن أم حرام ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أول جيش يغزو القسطنطينية  مغفور لهم  . وفي صحيح  البخاري  ، عن أم حرام  أيضا  [ ص: 118 ] قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا . قالت : يا رسول الله ، أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم . قالت : ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر  مغفور لهم . فقلت : يا رسول الله ، أنا فيهم ؟ قال : لا  . وغزاها المسلمون في خلافة  معاوية  ، وكان يزيد  أميرهم ، وكان في العسكر  أبو أيوب الأنصاري  الذي نزل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لما قدم المدينة  مهاجرا ، ومات ودفن تحت سورها ، وذكروا أنهم كانوا إذا أجدبوا كشفوا عن قبره فيسقون .  [ ص: 119 ] ثم غزاها المسلمون مرة ثانية في خلافة عبد الملك  غزاها ابنه مسلمة  ، وحصروها عدة سنين ، وبنوا فيها مسجدا . وفي الصحيحين عن  أنس  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان  فتطعمه ، وكانت أم حرام  تحت  عبادة بن الصامت  فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته ، وجعلت تفلي رأسه ، فنام ثم استيقظ وهو يضحك ، فقالت : مم تضحك ؟ فقال : عرض علي ناس من أمتي يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة . فقالت أم حرام   : ادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ، ثم وضع رأسه فنام ، ثم استيقظ ، وهو يضحك ، فقالت : مم تضحك ؟ فقال :  [ ص: 120 ] عرض علي ناس من أمتي كما قال في الأولى ، فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : أنت من الأولين ، قال  أنس   : فركبت البحر زمان  معاوية بن أبي سفيان  فصرعت عن دابتها لما خرجت من البحر فماتت ، وهذا كان في خلافة  عثمان  ، ومعاوية  نائبه . وكان المسلمون في خلافة  عمر  لم يغزوا في البحر ، وأول ما غزوا البحر في خلافة  عثمان  ، وفتحوا جزيرة قبرص  ، وجاءوا بسبيها إلى دمشق  ، وكان  أبو الدرداء  حيا بدمشق  فجعل يبكي ، فقيل له : ما يبكيك يا  أبا الدرداء  هذا يوم قد أعز الله فيه الإسلام ؟ فقال : إنما أبكي أني رأيت هذه الأمة كانت قاهرة ظاهرة فأضاعت أمر الله فيه ؛ فأصارها الله إلى ما ترون ، ما أهون العباد على الله إذا ضيعوا أمره  . وفي الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألته أن لا يسلط  [ ص: 121 ] على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها  . وثبت عنه في الصحيحين أنه قال : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ، ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة  . وهذا أخبر به حين كانت أمته أقل الأمم فانتشرت الأمة في مشارق الأرض ومغاربها ، وكان كما أخبر به ، فإن هذه الأمة - ولله الحمد والمنة - لم يزل فيها طائفة ظاهرة بالعلم والدين والسيف ، لم يصبها ما أصاب من قبلها من بني إسرائيل  وغيرهم ، حيث كانوا مقهورين مع الأعداء ، بل إن غلبت طائفة في قطر من الأرض ، كانت  [ ص: 122 ] في القطر الآخر أمة ظاهرة منصورة ، ولم يسلط على مجموعها عدوا من غيرهم ، ولكن وقع بينهم اختلاف وفتن . وفي صحيح  مسلم  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر ، يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا  . وهؤلاء ظهروا بعده بمدة طويلة ، وظهر النسوة بعد ذلك بسنين كثيرة ، وعلى رءوسهن عمائم كأسنمة الجمال البخاتي ، يسمون العمامة سنام الجمل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					