[ ص: 426 ] ومما ينبغي أن يعرف أن الأدلة نوعان : 
نوع يدل على مجرد العلم بالمدلول عليه ، ونوع يحض مع ذلك على الرغبة فيه أو الرهبة منه 
فالأول : من جنس الخير المجرد 
والثاني : من جنس الحث والطلب والإرادة والأمر بالشيء والنهي عنه ، وذلك كمن علم أن في المكان الفلاني جمادات أو حيوانات أو نبات ليس له فيها غرض لا حب ولا بغض ، فليس هو بمنزلة من علم أن في المكان الفلاني صديقه ، وولده ، ومحبوبه ، وماله ، وأهله ، وأهل دينه ، وفي المكان الفلاني عدوه ، ومبغضه ، ومن يقطع عليه الطريق ، ويقتله ، ويأخذ ماله ، فكذلك دلائل النبوة هي كلها تدل على صدق النبي  ، ثم يعلم ما يخبر به النبي من الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، لأنه أخبر عن الله بذلك ، وهو صادق فيما يخبر به ، فهذا طريق صحيح عام . 
وأما إثبات نبوة الأنبياء بما فعله بهم ، وبأتباعهم من النجاة ، والسعادة ، والنصرة ، وحسن العاقبة ، وما جعله لهم من لسان الصدق ، وما فعله بمكذبيه ومخالفيه من الهلاك والعذاب وسوء العاقبة  ، وإتباعهم  [ ص: 427 ] اللعنة في الدنيا مع عذاب الآخرة فهذا يدل مع صدق الأنبياء على الرغبة في اتباعهم ، والرهبة من مخالفتهم ففيه العلم بصدقهم ، والموعظة ، والوعظ هو أمر ونهي بترغيب وترهيب . قال تعالى : 
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به   . . . 
أي يؤمرون به ، وقال 
يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين  
أي ينهاكم الله أن تعودوا لمثله ، وهذه الطريق أكمل وأبلغ في حصول المقصود ، فإنها تفيد العلم بصدقهم ، والرغبة في اتباعهم ، والرهبة من خلافهم ، وتفيد صحة الدين الذي دعوا إليه ، وسعادة أهله ، وفساد الدين المخالف لدينهم ، وشقاوة أهله . 
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة العيد  [ ص: 428 ] بـ ( قاف ) و ( اقتربت الساعة ) لما فيهما من بيان ذلك ، وسورة ( قاف ) كان يقرأ بها في الجمعة ، فإنها جامعة لإثبات النبوات ، والمعاد ، وبيان حال متبعي الأنبياء ومخالفيهم في الدنيا كما قال تعالى فيها كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود   ( 12 ) وعاد وفرعون وإخوان لوط   ( 13 ) وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					