[ ص: 361 ] وكذلك تعظيمهم للصليب ، واستحلالهم لحم الخنزير ، وتعبدهم بالرهبانية ، وامتناعهم من الختان ، وتركهم طهارة الحدث والخبث ، فلا يوجبون غسل جنابة ولا وضوءا ، ولا يوجبون اجتناب شيء من الخبائث في صلاتهم لا عذرة ولا بولا ولا غير ذلك من الخبائث إلى غير ذلك .
كلها شرائع أحدثوها وابتدعوها بعد المسيح عليه السلام ، ودان بها أئمتهم وجمهورهم ، ولعنوا من خالفهم فيها ، حتى صار المتمسك فيهم بدين المسيح المحض مغلوبا مقموعا قبل أن يبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأكثر ما هم عليه من الشرائع والدين لا يوجد منصوصا عن المسيح عليه السلام .
وأما المسلمون : فكل ما أجمعوا عليه إجماعا ظاهرا يعرفه العامة والخاصة فهو منقول عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، لم يحدث ذلك أحد لا باجتهاده ولا بغير اجتهاده ، بل ما قطعنا بإجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يوجد مأخوذا عن نبيهم .
وأما ما يظن فيه إجماعهم ولا يقطع به :
[ ص: 362 ] فمنه ما يكون ذلك الظن خطأ ، ويكون بينهم فيه نزاع ، ثم قد يكون نص الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا القول ، وقد يكون مع هذا القول .
ومنه ما يكون ظن الإجماع عليه صوابا ، ويكون فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر خفيت دلالته أو معرفته على بعض الناس .
وذلك أن الله تبارك وتعالى أكمل الدين بمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وبينه ، وبلغه البلاغ المبين ، فلا تحتاج أمته إلى أحد بعده يغير شيئا من دينه ، وإنما تحتاج إلى معرفة دينه الذي بعث به فقط ، وأمته لا تجتمع على ضلالة ، بل لا يزال في أمته طائفة قائمة بالحق ، حتى تقوم الساعة ، فإن الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، فأظهره بالحجة والبيان ، وأظهره باليد والسنان ، ولا يزال في أمته أمة ظاهرة بهذا وهذا حتى تقوم الساعة .
والمقصود هنا : أن ما اجتمعت عليه الأمة إجماعا ظاهرا تعرفه العامة والخاصة ، فهو منقول عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ونحن لا نشهد بالعصمة إلا لمجموع الأمة ، وأما كثير من طوائف الأمة ففيهم بدع مخالفة للرسول ، وبعضها من جنس بدع اليهود والنصارى ، وفيهم فجور ومعاصي ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من ذلك ، كما قال تعالى له : فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون .
[ ص: 363 ] وقال تعالى : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء .
وقال صلى الله عليه وسلم : من رغب عن سنتي فليس مني وذلك مثل إجماعهم على أن محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل إلى جميع الأمم أهل الكتاب وغير أهل الكتاب ، فإن هذا تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وهو منقول عندهم نقلا متواترا يعلمونه بالضرورة .
وكذلك إجماعهم على استقبال الكعبة البيت الحرام في صلاتهم ، فإن هذا الإجماع منهم على ذلك مستند إلى النقل المتواتر عن نبيهم وهو مذكور في كتابهم .
وكذلك الإجماع على وجوب الصلوات الخمس ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت العتيق الذي بناه إبراهيم خليل الرحمن ، ودعا الناس إلى حجه وحجته الأنبياء ، حتى حجه موسى بن عمران ويونس بن [ ص: 364 ] متى وغيرهما ، وإجماعهم على وجوب الاغتسال من الجنابة وتحريم الخبائث وإيجاب الطهارة للصلاة ، فإن هذا كله مما تلقوه عن نبيهم ، وهو منقول عنه صلى الله عليه وسلم نقلا متواترا وهو مذكور في القرآن .
وأما النصارى ، فليست الصلوات التي يصلونها منقولة عن المسيح عليه السلام ولا الصوم الذي يصومونه منقولا عن المسيح ، بل جعل أولهم الصوم أربعين يوما ، ثم زادوا فيه عشرة أيام ، ونقلوه إلى الربيع ، وليس هذا منقولا عندهم عن المسيح عليه السلام .
وكذلك حجهم للقمامة ، وبيت لحم ، وكنيسة [ ص: 365 ] صيدنايا ليس شيء من ذلك منقولا عن المسيح عليه السلام ، بل وكذلك عامة أعيادهم مثل عيد القلندس ، وعيد الميلاد ، وعيد الغطاس - وهو القداس - وعيد الخميس [ ص: 366 ] وعيد الصليب الذي جعلوه في وقت ظهور الصليب ، لما أظهرته هيلانة الحرانية الفندقانية أم قسطنطين بعد المسيح عليه السلام بمائتين من السنين ، وعيد الخميس والجمعة والسبت التي [ ص: 367 ] في آخر صومهم ، وغير ذلك من أعيادهم التي رتبوها على أحوال المسيح والأعياد التي ابتدعوها لكبرائهم ، فإن ذلك كله من بدعهم التي ابتدعوها بلا كتاب نزل من الله تعالى ، بل هم يبنون الكنائس على اسم بعض من يعظمونه ، كما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك التصاوير ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة وهذا بخلاف المساجد التي تبنى لله عز وجل كما قال تعالى : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا .
وقال : في بيوت أذن الله أن ترفع .
وقال تعالى : قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين .
وقال تعالى : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين .
والنصارى كأشباههم من المشركين يخشون غير الله ، ويدعون غير الله .


