[  الرياء والنفاق      ]  
ثم اعلم أن الرياء قد أطلق في كتاب الله كثيرا ويراد به النفاق الذي هو أعظم الكفر وصاحبه في الدرك الأسفل من النار ، كما قال تعالى :      [ ص: 493 ]    (  كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين      ) ( البقرة : 264 ) وقال تعالى : (  والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا      ) ( النساء : 38 ) وقال تعالى : (  إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا      ) ( النساء : 142 ) وغير ذلك من الآيات النازلة في المنافقين بلفظ الرياء ، ومنها ما يصرح بمعناه دون لفظه ، كقوله تعالى : (  وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون      ) ( البقرة : 14 ) والآيات التي قبلها وبعدها وما في معناها . والفرق بين هذا الرياء الذي هو النفاق الأكبر ، وبين الرياء الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم شركا أصغر خفيا هو حديث الأعمال بالنيات ، وهو ما رواه الشيخان عن  عمر  رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "  إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه     " ، فالنية هي الفرق في العمل في تعيينه وفيما يراد به ، وقد أطلقت النية في القرآن بلفظ الابتغاء وبلفظ الإرادة ، فإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله والدار الآخرة وسلم من الرياء في فعله ، وكان موافقا للشرع ، فذلك العمل الصالح المقبول ، وإن كان الباعث على العمل هو إرادة غير الله عز وجل ، فذلك النفاق الأكبر ، سواء في ذلك من يريد به جاها ورئاسة وطلب دنيا ، ومن يريد حقن دمه وعصمة ماله وغير ذلك ، فهذان ضدان ينافي أحدهما الآخر لا محالة ، قال الله عز وجل : (  ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها      ) ( آل عمران : 145 ) وقال تعالى :      [ ص: 494 ]    (  من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا   ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا      ) ( الإسراء : 18 - 19 ) .  
وقال تعالى : (  من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون   أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون      ) ( هود : 15 - 16 ) وقال تعالى : (  من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب      ) ( الشورى : 20 ) وقال تعالى يثني على عباده المخلصين : (  ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا   إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا      ) ( الإنسان : 8 - 9 ) وقال : (  إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى      ) ( الليل : 20 ) وغير ذلك من الآيات .  
وإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله عز وجل والدار الآخرة ، ولكن دخل عليه الرياء في تزيينه وتحسينه ، فذلك هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم " الشرك الأصغر " وفسره بالرياء العملي ، وزاده إيضاحا بقوله : "  يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه     " وهذا لا يخرج من الملة ، ولكنه ينقص من العمل بقدره ، وقد يغلب على العمل فيحبطه كله والعياذ بالله . اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة ، واجعلها لوجهك خالصة ، ولا تجعل لأحد فيها شيئا .  
وأما حديث  أبي موسى  رضي الله عنه في الصحيح قال :  جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ قال : "  من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا   فهو في سبيل الله     " فهذا الحديث يحتمل المعنيين ، وتعينه لأحدهما النية ، فإن كان أصل العمل لغير الله فهو النفاق ، وإن كان أصله لله وأحب مع      [ ص: 495 ] ذلك أن يذكر ويثنى عليه به فهو المعنى الذي سبق في حديث  عبادة  رضي الله عنه في "  الرجل يصلي يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد     " الحديث . وفي آخره قال : " ليس له شيء " . والله تعالى أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					