المبحث الثالث وهو  عقوبة الساحر شرعا ووعيدا      .  
( وحده ) أي حد الساحر ( القتل ) ضربه بالسيف ( بلا نكير ) بل هو ثابت بالكتاب من عموم النصوص في الكفار المرتدين وغيرهم ، كما أتى ثابتا ( في السنة المصرحة ) الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( مما رواه   الترمذي ) محمد بن عيسى بن سورة بمهملتين ابن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى الترمذي الحافظ الضرير  أحد الأعلام وصاحب الجامع والتفسير عن خلق مذكورين في تراجمهم      [ ص: 555 ] من جامعه وغيره ، وعنه  محمد بن إسماعيل السمرقندي  وحماد بن شكر   وأبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي  راوي الجامع   والهيثم بن كليب  ، وخلق من  أهل سمرقند   ونسف   وتلك الديار ، وقال   ابن حبان     : كان ممن جمع وصنف . قال   أبو العباس المستغفري     : مات سنة تسع وسبعين ومائتين ، مرفوعا ( وصححه ) موقوفا عن (   جندب ) هو ابن عبد الله بن سفيان البجلي العلقمي أو العلقي  ، له ثلاثة وأربعون حديثا اتفقا على سبعة وانفرد  مسلم  بخمسة . روى عنه  الحسن   وابن سيرين  وأبو مجلز  ، مات بعد الستين ، وقال رحمه الله تعالى : ( باب ما جاء في حد الساحر ، حدثنا   أحمد بن منيع  حدثنا  أبو معاوية  حدثنا عن  إسماعيل بن مسلم  عن  الحسن  عن  جندب  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  حد الساحر ضربه بالسيف     " . هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ،  وإسماعيل بن مسلم المكي  يضعف في الحديث من قبل حفظه  وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري  قال   وكيع     : هو ثقة ويروى عن  الحسن  أيضا والصحيح عن  جندب  موقوفا والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول   مالك بن أنس  ، وقال   الشافعي     : إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل من سحره ما يبلغ الكفر ، فإذا عمل عملا دون الكفر فلم ير عليه قتلا .  
ويعني بقوله ما يبلغ الكفر ; أي ما كان فيه اعتقاد التصرف لغير الله وصرف العبادة له كما يفعله  عباد هياكل النجوم   من  أهل بابل   وغيرهم والله أعلم . ( وهكذا في أثر . أمر بقتلهم ) يعني السحرة ، ( روي عن   عمر ) ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي أبي حفص المدني  أحد فقهاء الصحابة ، ثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأول من سمي أمير المؤمنين ، له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثا ، اتفقا على عشرة وانفرد   البخاري  في تسعة  ومسلم  بخمسة عشر ، وعنه أبناؤه  عبد الله  وعاصم  وعبيد الله  وعلقمة بن أبي وقاص  وغيرهم ، شهد  بدرا   والمشاهد والمواقف ، وولي أمر الخلافة بعد  أبي بكر  رضي الله عنهما ، وفتح في أيامه عدة أمصار ، أسلم بعد أربعين      [ ص: 556 ] رجلا ،  عن   ابن عمر  رضي الله عنه مرفوعا : " إن الله تعالى جعل الحق على لسان  عمر  وقلبه     " .  ولما دفن قال   ابن مسعود  رضي الله عنه : ذهب اليوم بتسعة أعشار العلم     . استشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين ودفن في أول سنة أربع وعشرين في الحجرة النبوية وهو ابن ثلاث وستين ، وصلى عليه  صهيب  ، ومناقبه جمة قد أفردت في مجلدات . وهذا الأثر المشار إليه في الباب هو ما رواه الإمامان الجليلان   أحمد بن حنبل الشيباني   ومحمد بن إدريس الشافعي  رحمهما الله تعالى قالا : أخبرنا   سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار  أنه  سمع  بجالة بن عبدة  يقول : كتب   عمر بن الخطاب  رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة . قال : فقتلنا ثلاث سواحر     .  
( وصح ) نقلا ( عن   حفصة ) بنت عمر بن الخطاب العدوية أم المؤمنين  رضي الله عنها ( عند   مالك ) بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي أبي عبد الله المدني  أحد الأعلام في الإسلام وإمام دار الهجرة ، ولد سنة ثلاث وتسعين ، وحمل به ثلاث سنين ، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة ودفن  بالبقيع   رحمه الله تعالى ورضي عنه . ( ما ) ; أي الذي ( فيه أقوى ) دليل ( مرشد للسالك ) وهو ما رواه في موطإه في " باب ما جاء في الغيلة والسحر من كتاب العقول : عن  محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة  أنه بلغه  أن   حفصة زوج النبي  صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها ، وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت  ، قال  مالك     : الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره ، هو مثل الذي قال الله تعالى في كتابه : (  ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق      ) فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه . ا هـ .  
قال  ابن كثير  رحمه الله      [ ص: 557 ] تعالى : وقد روي من طرق متعددة  أن   الوليد بن عقبة  كان عنده ساحر يلعب بين يديه ، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه ، فقال الناس : سبحان الله يحيي الموتى ! ورآه رجل من صالح المهاجرين ، فلما كان الغد جاء مشتملا على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك ، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر وقال : إن كان صادقا فليحي نفسه ، وتلا قوله تعالى : (  أفتأتون السحر وأنتم تبصرون      ) ( الأنبياء : 3 ) فغضب  الوليد  إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه ، ثم أطلقه  والله أعلم . وقال الإمام   أبو بكر الخلال     : أخبرنا   عبد الله بن أحمد بن حنبل  حدثني أبي أخبرنا   يحيى بن سعيد  حدثني  أبو إسحاق  عن  حارثة  قال : كان عند بعض الأمراء رجل يلعب ، فجاء  جندب  مشتملا على سيفه فقتله ، قال : آراه كان ساحرا     . وحمل   الشافعي  رحمه الله تعالى قصة  عمر   وحفصة  على سحر يكون شركا ، والله أعلم .  
وقال  ابن كثير  رحمه الله تعالى : فصل . وقد ذكر الوزير   أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة  رحمه الله تعالى فيمن يتعلم السحر ويستعمله فقال  أبو حنيفة  ومالك  وأحمد     : يكفر بذلك ، ومن أصحاب  أبي حنيفة  من قال : إن تعلمه ليتقيه أو ليتجنبه فلا يكفر ، ومن تعلمه معتقدا جوازه أو أنه ينفعه كفر ، وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر ، وقال   الشافعي  رحمه الله تعالى : إذا تعلم      [ ص: 558 ] السحر قلنا له : صف لنا سحرك ، فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده  أهل بابل   من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر . وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر . قال  ابن هبيرة     : وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله ؟ قال  مالك  وأحمد     : نعم . وقال   الشافعي  وأبو حنيفة     : لا . فأما إن قتل بسحره إنسانا فإنه يقتل عند  مالك   والشافعي  وأحمد  ، وقال  أبو حنيفة     : لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين ، وإذا فإنه يقتل حدا عندهم ، إلا   الشافعي  فإنه قال : يقتل والحالة هذه قصاصا . قال : وهل  إذا تاب الساحر   تقبل توبته ؟ فقال  مالك  وأبو حنيفة  وأحمد  في المشهور عنه : لا تقبل . وقال   الشافعي  وأحمد  في الرواية : تقبل . وأما  ساحر  أهل الكتاب    فعند  أبي حنيفة  أنه يقتل كما يقتل الساحر إذا كان مسلما ، وقال  مالك  وأحمد   والشافعي     : لا يقتل ، يعفى لقصة  لبيد بن الأعصم     . واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند  أبي حنيفة  أنها لا تقتل ولكن تحبس ، وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل ، والله أعلم .  
وقال   أبو بكر الخلال     : أخبرنا  أبو بكر المروزي  قال : قرأ على   أبي عبد الله ; يعني أحمد بن حنبل     :   عمر بن هارون  أخبرنا  يونس  عن   الزهري  قال :  يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين      ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من  اليهود   فلم يقتلها     . وقد نقل  القرطبي  عن  مالك  رحمه الله تعالى أنه قال في الذمي : يقتل إن قتل سحره . وحكى  ابن خويز منداد  عن  مالك  روايتين في الذمي إذا سحر أحدا . الأولى : أنه يستتاب ، فإن أسلم وإلا قتل . والثانية : أنه يقتل وإن أسلم . وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفرا كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى : (  وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه      ) لكن قال  مالك     : إذا ظهر عليه لم تقبل توبته ; لأنه كالزنديق ، فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائبا قبلناه ، فإن    [ ص: 559 ] قتل بسحره قتل . قال   الشافعي     : فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطئ عليه الدية .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					